ليلة ٢٤ من شهر رمضان ١٤٣٦ - من وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام


وَتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَات مِنْ مَنْطِقِكَ
(لربما يدور حديث حول أمر ما، ولا تملك فيه معرفة، فتختار الصمت وعدم إبداء الرأي.. لربما تشعر حينها بالحرج وتظهر بمظهر الجاهل.. لا تنزعج من ذلك، فإن هذه الصورة السلبية لك أفضل من أن تدلي بقول سخيف ويُسخر منك أو يُحتقر عقلك بسببه، أو أن تقول ما لا علم لك به فتغش الناس، أو أن تقترح أمراً ويُعمَل به ثم تكون نتيجته وخيمة فتحُمَّل المسؤولية وتُلام.. إذاً: اختر الصمت حيث لا تعلم ولا تملك رأياً)
وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ
(كما تلجأ إلى سد غطاء الحاوية بإحكام كي لا تصل الحشرات إلى الطعام فيه، أو كي لا يندلق عند نقله وتحريكه، أو كي لا تمتد إليها يد فتأخذ من محتواها، فكذلك إذا أردت أن تحتفظ بدينك وبشخصيتك وكرامتك، عليك أن تكون حريصاً على مراقبة أوضاعك وحفظها كي لا تسمح بما يخل بها أن يتسرب إلى حيث لا تريد فيفسد عليك أمورك.. الصديق يمكنه أن يسرق دينك وشخصيتك ويحولك إلى إنسان تافه مستغرق في المقاهي لشرب الشيشة والدخول في غيبوبة إضاعة الوقت.. وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها أن تسرق اعتدالك واتزانك وتحوّلك إلى إنسان متطرف أو متعصب.. حبك لأبنائك يمكنه أن يسرق منك ما كنت تهتم به من أمر
دينك [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ])
وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ
(مادام هذا الشيء يؤدي الغرض، فلم الطمع بما في أيدي الناس؟ وعصفور باليد خير من عشرة على الشجرة)
وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ
(لأن عدم حصولك على الشيء أفضل من إذلالك لنفسك)
وَالْحُرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ
(الحُرفة = الحرمان.. فعفة البطن التي تشعر معها بالجوع خير من أن تملأ بطنك بالحرام.. وعفة الفرج التي لا تستطيع من خلالها أن تلبّي نداء شهوتك، خير من الزنا والعلاقات المحرمة.. وعفة اليد التي تحرمك مما تود تملّكه خير من أن تملك عن طريق الغش أو السرقة أو الرشوة أو تحوّلك إلى قبّيض وغير ذلك).
وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ
(حاول أن تحتفظ بأسرارك ما استطعت، وللإمام علي حكمة: [سرك أسيرُك، فإن أفشيته صرت أسيره] لأنك ستخاف أن يُفشى وتتوسل إلى من أفشيت سرك له أن يحتفظ به وتبقى خائفاً من تبدل الحال فيفشي عليك
سرك، وبالتالي أصبحت أسير القلق من إفشائه. وعن الصادق:[لا تُطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك، فإن الصديق قد يكون عدواً يوماً ما] ولذا فأنت أكثر الناس حفظاً لسرك لأنك تعلم أن في إفشائه بين الناس فضحاً لأمرك وضرراً عليك).
وَرُبَّ سَاعِ فِيَما يَضُرُّهُ!
(ولذا ادرس خطواتك وأعمالك وراقبها وقيّمها، لا تسمح بالأمور أن تجعلك متخبطاً، فلربما تجد نفسك سائراً في طريق لا عودة منها، أو نهايتها مهلكة، أو خسرت من خلالها الكثير.. كما قد تكون القراءة السطحية سبباً لسلوك طريق مهلكة، ولذا فكّر جيداً واستشر أصحاب الرأي)
مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ
(فكثرة الكلام تفتح المجال للحديث في كل شيء، بما في ذلك الأوهام والخرافات والأمور الظنية، والسخرية من الآخرين، والكلام غير الموزون، وإبداء الرأي بلا تعقّل، وبالأمور التي لربما اختلطت عليه بمرور الزمن)
وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ
(وهذه معادلة قرآنية وعقلية لا غبار عليها، وأما التعاطي مع الأمور بسطحية فلربما يخسر الكثير)
قَارِنْ أهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ
(كما عن النبي: [الرَّجُلُ على دينِ خَليلِهِ، فَليَنظُر أحَدُكُم مَن يُخالِلُ] فالتأثير حاصل من حيث تدري أو لا تدري، فإذا اخترت أهل الخير وقوّيت علاقتك بهم، فستكتسب من خصالهم الحميدة وتأتي بها فتكون أنت من أهل الخير أيضاً، وستكسب سمعة جيدة بين الناس.. والعكس صحيح.. ولذا ابتعد عن أهل الشر، فإن لم تفعل اكتسبت منهم خصال الشر، ولحقتك سمعة السوء)
بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ!
(الحرام في مصدره كمن اكتسب من حرام وحوّله إلى طعام.. أو الحرام في ذاته لأنه من الخنزير أو من الميتة أو مما لم تثبت تذكيته، وله آثار سلبية عديدة منها ما قد روي عن النبي أنه قال: [العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل]، ومنها ما قاله سيد الشهداء لجيش الأمويين: [فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تُنصفون ألا تسمعون؟!])
وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ
(قد يكون هذا الضعيف زوجتك، قد يكون أبناؤك، قد يكون خادمك، قد يكون الموظف البسيط الغريب في مقر
عملك، قد يكون الوافد وأنت ابن البلد.. فاحذر أن تظلم عموماً مستغلاً قدرتك العضلية أو موقعك المتقدم أو السلاح الذي تحمله أو غير ذلك.. وبالأخص أن تظلم الضعيف، لأن خصمك الله، لأن الخلق عيال الله.. [عن الإمام الباقر عليه السلام قال: لمّا حضر عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمّني إلى صدره, ثمّ قال: يا بني, أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به, قال: يا بني, إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله]).