خطبة الجمعة 23 رمضان 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: روحانية رمضان ويوم القدس


(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) لماذا؟ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) ولماذا؟ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل:1-4، 5، 7].
ـ شهر رمضان شهر الروحانية.. شهر تقوية العلاقة بالله سبحانه وتعالى.. في هذا الشهر صمنا وتنفّلنا وتلونا القرآن وأحيينا الليالي بالعبادة والدعاء والذكر.. وحضرنا المجالس الإيمانية، وتفرّغنا لليلة القدر، وكل هذا كما هو واضح يصب في اتجاه التنمية الروحية في نفوسنا.
ـ ولكن عندما جاء الإمام الخميني رحمه الله واختار آخر جمعة من شهر رمضان من كل عام ليكون هذا اليوم باسم يوم القدس العالمي، فإن هذا يعني أن قمة الروحانية وقمة العلاقة بالله هي الإحساس بالمسؤولية عن الإسلام وقضاياه، لا الانكفاء والانشغال بالذات.
ـ وما زالت قضية القدس والقضية الفلسطينية هي رأس قضايانا، ويجب أن تبقى هكذا، وإن شغَلنا التكفيريون الإرهابيون ومن وراءهم عن القضية الأم عملياً وفكرياً، واستهلكونا إعلامياً ومادياً، وبهذا الحجم من التدمير الممنهج لقدرات الأمة وبشكل غير مسبوق.
ـ والقدس تمثّل الرمز للقضية برمتها، وليست هي المعنية في ذاتها، وإن كانت القدس تمثّل القيمة العظمى من
خلال قدسيتها، وكونها الأرض التي باركها الله، ومن خلال هذا التاريخ الممتد لعلاقتها بالرسالات السماوية وبمسيرة الأنبياء.
ـ بل إن الله سبحانه لم يشأ أن يُكمل نبينا الأكرم(ص) مسيرته الرسالية دون أن يزور القدس وتطأ قدماه حيث وطأت أقدام الأنبياء الذين سبقوه، ليعيش أجواء تجربتهم الرسالية عن قرب، وليبيّن له أن رسالته هي الامتداد الحقيقي لرسالتهم، وأنه الوارث لكل إنجازاتهم الرسالية العظيمة، بما فيها المسجد الأقصى.
ـ ومن هنا فإن المسلم يؤمن بأنه مسؤول عن القدس، لا من ناحية الانتماء الوطني أو القومي أو التاريخي، حتى ندخل في متاهات التوزيع الجيوسياسي، أو الامتداد التاريخي لسكان هذه المدينة العريقة.
ـ المسلم مسؤول عن القدس من جهة أنها تُمثّل الأمانة الرسالية التي أُودعت عند رسول الله(ص)، ثم أودعها النبي عند المسلمين، وعليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاهها.. والمسؤولية الرئيسة تجاهها اليوم تتمثل في رفض الاحتلال والسعي لتخليصها منه.
ـ ثم إن الاحتفال بيوم القدس العالمي ـ من جهة أخرى ـ يمثل رمزاً لرفض كل احتلال وكل ظلم يُمارَس بحق المضطهدين الذين تُسلَب أراضيهم وبيوتهم ليُصبحوا مشرَّدين، أو الذين يفرون من ديارهم خوفاً على أنفسهم وأهليهم وأعراضهم من بطش الغزاة أو الطغاة ولو كانوا من أبناء جلدتهم ودينهم.
ـ اليوم وإذ يشهد عالمُنا تشرُّدَ الملايين عن أوطانهم أو مدنهم أو قراهم في فلسطين وسوريا والعراق واليمن ونواحي عدة من أفريقيا وغيرها، فإننا نستذكر حق الإنسان ـ مسلماً كان أم غير مسلم ـ في أن يعيش في وطنه آمناً.. وحرمةَ التهجير القسري أو الهجرة نتيجة الإرهاب الذي مارسته وتمارسه العصابة الصهيونية وبعض الحكومات السلطوية والجماعات التكفيرية والقوميات المتطرفة، وقد قال تعالى مبيّناً حجم هذه الجريمة التي تصل إلى مستوى إزهاق النفوس: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) ويأتي يوم القدس العالمي ليمثّل محطة زمنيّة نتوقف عندها لنتذكّر ونذكّر المجتمع الدولي بقضية فلسطين وبكل قضايا المضطهدين والمستضعفين، لأن الإسلام في روحانيته يرسّخ في المسلم روح المسؤولية، وقد قال النبي الأكرم(ص) في ما روي عنه: (من بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) وقال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).