خطبة الجمعة 23 رمضان 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: الإمام علي والإصلاح


أي عملية إصلاح في المجتمع أو في إطار معين، محدود أو واسع، تحتاج إلى عناصر وأدوات، من أهمها وجود مَن يقود هذه العملية باقتدار.
ـ المجتمع الإسلامي بعد فتنة مقتل الخليفة عثمان كان بحاجة إلى عملية إصلاح كبرى، ولذا كان إصرار الصحابة وسائر الناس على أن يقود الإمام علي(ع) تلك المرحلة، لأنهم وجدوا فيه الشخص الأجدر لقيادة العملية الإصلاحية.
ـ وفي المقابل فقد كان الإمام(ع) يرى أنهم غير مهيئين للتناغم مع منهجه الإصلاحي الشديد والحاسم والمناسب لما آل إليه حال الأمة فقال: (دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي، فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ، لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، ولا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُول،ُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ).
ـ ولكن مع تكرر مراجعاتهم وإصرارهم وإعلانهم القبول لشرطه، وافق معلناً بعض ملامح سياسته وبرنامجه الإصلاحي ومن ذلك: (أيها الناس، إنما أنا رجل منكم، لي ما لكم وعلي ما عليكم... فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تُزوج به النساء ومُلّك الإماء وفُرّق في البلدان لرددته. فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق. أيها الناس، ألا يقولن رجال منكم غداً قد غمَرتهم الدنيا فامتَلكوا العقار وفجَّروا الأنهار وركِبوا الخيل واتّخذوا الوصائف المرقَّقة، إذا ما منعتُهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتُهم إلى حقوقهم التي يعلمون: حرَمَنا ابنُ أبي طالب حقوقَنا!).
ـ ونحن نقرأ هذه الكلمات الرائعة للإمام(ع) نفخر بها ونعتز، لأنها صدرت عن الشخصية التي ننتسب إليها في الإسلام بعد رسول الله(ص)، ولأننا في مأمن من سياسات علي(ع) ونحن نعيش في زمن بعيد لا يتصل بزمانه ودولته.
ـ ولكن هل سألنا أنفسنا ماذا لو كنا نعيش في ذلك الزمان.. أكنا نسعد ونرتضي هذا المنهج الصارم في الإصلاح، أم سنتحوّل إلى معسكر المعارضين لأن أمير المؤمنين(ع) قد لامس مصالحنا؟
ـ إن الذين يدعون للإمام المهدي(ع) ويسألون الله أن يعيشوا في دولته الكريمة التي يعز بها الإسلام وأهله عليهم أن يُدركوا أن دولة المهدي هي دولة الحق والعدل، وأن سياساته لن تختلف عن سياسات جده علي في الإصلاح، ولربما يفقد أحدُنا الكثير من امتيازاته التي نالها على حساب الآخرين، فهل سنبقى ندعو له بتعجيل الفرج أم سننقلب إلى المعسكر الآخر حين تتضرر مصالحنا؟ فلنوطّن أنفسَنا أن نكون من دعاة الحق والعدل على أنفسنا في المقام الأول كي نكون صادقين مع الله ومع أنفسنا في دعوانا بالانتماء إلى مدرسة أهل البيت.. مدرسة الإسلام.