خطبة الجمعة 16 رمضان 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: لا تميّعوا خلفيات تفجير مسجد الإمام الصادق


ـ (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
ـ الجريمة التي وقعت في مسجد الإمام الصادق(ع) الأسبوع الماضي ـ من حيث النوع ـ ما كانت أمراً مستغرباً، بل هو حدثٌ مُنتَظر بلحاظ المعطيات على الأرض، والتهديد الذي بثّه الإرهابيون بعد تفجيري القديح والعنود.
ـ البعض اليوم يحاول باستماتة تصدير المشكلة إلى الخارج، بادّعاء أن هذه الجريمة مستوردة، وليست نابعة من الداخل.. وهذا على الأقل خطأ كبير، إن لم يكن مقصوداً لحماية الإرهابيين والمتطرفين في الكويت.
ـ منذ عقود والمتطرفون يعملون وفق أجنداتهم التكفيرية، ويزرعون في قلوب الشباب والأطفال الأحقاد ضد مَن يخالفهم، حتى باتوا يحرّضونهم على آبائهم وأمهاتهم إن لم يتفقوا معهم في أفكارهم الظلامية، وأن يبدؤوا بالتبرؤ منهم قبل الآخرين، مخالفين بذلك كلام الله عزوجل وسنة رسوله(ص) والقيم الإنسانية.
ـ صحيح أن المجرم الإرهابي الذي فجّر نفسه وافد على البلد، إلا أنه ما كان له تحقيق ذلك لولا وجود بيئة حاضنة هيّأت له الأمور وأعانته في جريمته.
ـ ولذا علينا أن نعمل كي لا ينجح هؤلاء في تمييع خلفيات الجريمة، وأن يتم التحرك الدؤوب من خلال العلاقات مع المسؤولين في الدولة، ومن خلال الصحافة ووسائل الإعلام، ومن خلال وسائل التواصل
الاجتماعي، كي تستمر عملية التصحيح في التعامل مع منابع التطرف، وبشكل علمي وعملي.
ـ ونتمنى لو نشاهد غرفة طوارئ وطنية يتم تشكيلها بشكل صحيح من مجموعة من رجالات وشباب الكويت الغيارى والفاعلين، تكون مهمتها رسم معالم المرحلة المقبلة، والتخطيط لتخليص البلد من تراكمات التطرف والتحريض الطائفي الممنهج.
ـ هؤلاء التكفيريون حيث تجرؤوا واعتدوا اليوم على بيتٍ من بيوت الله، فلن يكون لديهم مانع أبداً أن يحوّلوا عدوانَهم ليشمل الأسواق والتجمعات الترفيهية والمراكز الأمنية، فهي أقل حرمة وقداسة، وإن كانت أرواح الناس في نظرنا نحن وفي الحقيقة غالية حيثما كانوا.
ـ وأختم خطبتي بثلاث رسائل:
رسالة إلى أصحاب القرار.. إن الاكتفاء بالمعالجات الآنية والسطحية والعاطفية لن يحل مشكلة، بل ولربما يُعطي إشارة خاطئة تدفعهم مستقبلاً للمزيد من التجرؤ على أمن البلد والمواطنين، وهو ما لايتمناه أحد ممن يحب هذا الوطن. ومثل هذه المعالجات قد تكون مؤلمة أحياناً وتقترن بالتضحيات وتحتاج إلى صبر وطول نفس، إلا أن خيرها سيمتد بإذن الله إلى أجيال قادمة.
ـ الرسالة الثانية: إلى أصحاب خطاب الكراهية من كافة المذاهب.. كفاكم فتنة، وكفاكم سعياً للفرقة، وكفاكم عبثاً في عقول الناس ومشاعرهم.. إن الأمن والسلام غاية من الغايات المقدسة، ومن هنا كان استغراب الملائكة حيث قالوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)، ولذا شرّع اللهُ الأشهرَ الحرُم، والأرضَ الحرام ومحرّمات الإحرام، وحرمة المسلم دماً ومالاً وعِرضاً وغير ذلك من عناوين إنما غايتها الأمن لا النزاع (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
ـ وأما رسالتي إلى الداخل: كونوا على قدر المسؤولية.. لا تستهينوا بمساعي إثارة الفتنة وإشعال الأحقاد.. فوّتوا الفرصة على الذين لا يريدون الخير بأمتنا ووطننا.. مشكلتنا ليست مع أهل السنة، فهم إخوانُنا وأحبتُنا، مصيرُنا ومصيرُهم واحد.. ولكن مشكلتنا مع الإرهابيين والمتطرفين، ولنتعاون جميعاً على اجتثاث جذور هذه الشجرة الخبيثة لنعيد إلى الكويت الابتسامة، ونرفع عنها وشاح الحزن.