خطبة الجمعة 16 رمضان 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: حكمة حسنية


ـ عن الإمام المجتبى(ع) أنه قال: (يابن آدم، عفّ عن محارم الله تكن عابداً، وارضَ بما قسم الله تكن غنيّاً، وأحسن جوار مَن جاورك تكن مُسلماً، وصاحب النّاس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً).
ـ تمر علينا ذكرى ولادة الإمام المجتبى(ع) هذا العام بينما تغشاها مشاعر الحزن والغضب للجريمة البشعة بكل المقاييس والتي ارتكبتها يد الغدر والإثم في الأسبوع الماضي بحق مصلّي مسجد الإمام الصادق(ع).
ـ ونتوقف مع الإمام للحظات مستلهمين الحكمة من كلامه: (عفّ عن محارم الله تكن عابداً).
ـ كثيرون هم الذين يتشوّقون لأن يكونوا من العُبّاد.. كثيرون هم الذين يتطلّعون لأن يأخذوا هذه السمة في حياتهم.. فهي سمة مقدسة وغاية شريفة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56].
ـ إلا أن الإمام(ع) ينبّه إلى أن نيل هذه المرتبة أمر ممكن حتى لمن قد لا تُسعفه ظروفه للتفرّغ للنوافل والمستحبات الكثيرة.. فيمكنك أن تختصر الطريق وتكون عابداً فيما لو ترفّعت وتعففت عن محارم الله.
ـ فمن الغايات الرئيسة للعبادة تطهير النفس من ارتكاب المحارم.
ـ (وارضَ بما قسم الله تكن غنيّاً) ولو كنت طموحاً على المستوى المادي، فإن الغنى الحقيقي ليس في كثرة المال، بل في راحة البال، حين تبذل جهدك فيأتيك رزقُك وترضى به، وإن كان أقل بكثير مما عند الآخرين.
ـ فالراضي بما قسمه الله له يؤقلم نفسه وأوضاعه مع إمكاناته، ولا ينظر إلى ما عند الآخرين ليعيش دوامة الحسرة ومضاعفات الألم النفسي: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)[طه:131].
ـ (وأحسِن جِوار مَن جاورك تكن مُسلماً) فالإسلام ليس مجرد وسام تضعه على صدرك، بل مسؤولية وعمل، ومن هذه المسؤوليات حسن الجوار، ليس في شهر رمضان فقط من خلال بعض المظاهر التي نشاهدها هنا وهناك، بل على طول الخط. ومن خلاله نساهم في تحقيق السلم الأهلي والتعايش والترابط بين أبناء المجتمع.
ـ (وصاحب النّاس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً) وهذه سمة أخرى من سمات الإنسان المؤمن، العدالة، فكما لا تحب أن تُظلَم، كن أنت العادل في التعامل مع الآخرين. وإن أردت معياراً للعدالة، فانظر إلى ما تحب وتكره، وحينئذ لا تسمح بأن يصدر منك من القول والفعل والمشاعر ما تكره أن يصدر بحقك.. واسعَ أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به من الاحترام والتقدير والإنصاف والصدق والإخلاص.
ـ إن رسالة الإسلام هي رسالة بناء هذه الحياة على أساس العبودية لله سبحانه، وجَعْل القيم الإنسانية بمثابة الأطر التي نرسم من خلالها معالم تفاعلنا مع الآخرين بما يحقق الخير والأمن وطمأنينة النفس.