خطبة الجمعة 2 رمضان 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: نتيجة الغرور


ـ عن أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة في وصف خلق الإنسان وحاله: (أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الأرْحَامِ، وَشُغُفِ الأسْتَارِ) أغلفة تحيط به وهو في بطن أمه (نُطْفَةً دِفاقاً، وَعَلَقَةً مِحَاقاً) لا شكل لها.. هذه هي البداية.. بهذه الصورة المتواضعة وبهذا الوضع المَهين (وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعاً. ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لاَفِظاً، وَبَصَراً لاَحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً) حيث أعطاه القدرة على التفكير والتحليل والقبول والرفض والفعل والترك، لما فيه خيرُه وصلاحُ أمره.. فهل قدّر هذه النعم؟ وهل وظّفها في الاتجاه الصحيح؟
(حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً) وهذا أساس الخراب، عندما يغتر الإنسان بنفسه وقواه وبعقله، فيتعالى على كل شئ، وينظر باستخفاف إلى كل ما حوله.. والديه، العلماء، النصيحة، القرآن، أوامر الله، ويدفعه هذا الاستكبار إلى التمرد على كل ما سبق والاعتزاز برأيه وبنفسه فقط، والنتيجة: (وَخَبَطَ سَادِراً) يبدأ بالتخبط في حياته، وبالتصرف اللامسؤول، وكأنه خُلق بلا هدف (مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ) الدنيا بالنسبة إليه كالبئر يغوص في أعماقها بحثاً عن لذَّاته، ويستغرق فيها تلبيةً لأهوائه (كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ) كلما تبدّت له لذة سعى وراءها مهرولاً، لا يفكر في حلال ولا حرام ولا في جنة ولا نار (لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً) يتصور أن الدنيا كلها مُتَع، وأنها تسير على منوال واحد من النعيم، فلا يدور في خلده أن مصيبة ما قد تقع، وأن بعد هذا الرخاء قد تفاجؤه الشدة فكيف سيتصرف حينها؟ (وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً) هذا القلب اللاهي والحركة الدائمة وراء الدنيا وملذاتها لا تترك له مجالاً كي يخشع قلبُه خشيةً من الله أو أن يعتبر من تغيّر الأمور من حوله بموت الأحباب وتبدّل الأحوال.. والنتيجة؟
(فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً) فاجأه الموت وخرج من الدنيا مخدوعاً بها ولم يحمل منها أي زاد للآخرة (وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ أسيراً) نعم، هو أخطأ التقدير، ولكن ثمن هذه الهفوة عظيم، فقد أصبح رهين ما قدّم في دنياه.. فما الذي قدّمه لآخرته؟ (لَمْ يُفِدْ عِوَضاً) لم يقدّم شيئاً يستحق عليه التعويض والعطاء في الآخرة، لأن زاد الآخرة التقوى والعمل الصالح (وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً) لم يتحمل مسؤولياته من الصلاة والزكاة والصيام وعمَلِ المعروف والأمر به وتَرْك المنكر والنهي عنه كي يُثاب عليها.
ـ أيها المؤمنون والمؤمنات، شبابَنا أحباءَنا.. شهر رمضان فرصة تصحيح مسار حياتنا.. فنحن لم نُخلق لهذه الدنيا، والآخرة التي خُلقنا لها تتطلب تقديم الثمن، وهذا الثمن لا نحصل عليه إلا من خلال سعينا في الدنيا بالصورة التي يرتضيها الله سبحانه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ).