خطبة الجمعة 11 شعبان 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: : صنع المعروف


ـ قال رجلٌ بمحضر من الإمام الحسين(ع): (إنَّ المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع! فقال(ع): ليس كذلك، ولكنْ تكونُ الصنيعةُ مِثلَ وابل المطر، تُصيب البِر والفاجر).
ـ للحكمة في الحياة دور مهم جداً إلى المستوى الذي اعتبره القرآن الكريم أنه من أهداف إرسال الأنبياء(ع)، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران:164].
ـ إذ يُفترض بالحكمة أن تساهم في رسم معالم طريق الحياة بما يحقق الخير للفرد والمجموع. ولو قُدِّم أمر على أنه حكمة وتضمّن مفهوماً خاطئاً وعُمل بموجبه، فإن من شأنه أن يحرف الإنسان عن هذا المسار.
ـ ومن هنا بادر الإمام الحسين(ع) إلى تصحيح المفهوم الذي تختزنه كثير من العقول وتجعله نوعاً من الحكمة في الحياة، وهو ما عبّر عنه ذلك الرجل بتلك الكلمات، وهي قريبة من المثل الشائع: (لا تصنع المعروف في غير أهله) و قولهم (خيراً تعمل شراً تلقى)، حيث تتضمن دعوةً إلى الانتقائية في عمل الخير والمعروف، بحيث لا يؤديه الإنسان إلا إلى مَن يستحقّه، أما الشخص الذي لا يستحقّه، فلا ينبغي فعل المعروف معه لأنه لن يقدّره.
ـ فقال(ع): (ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر).
ـ كُن كالسحاب.. هكذا يعبّر الإمام في حكمته الرائعة.. أيبخل السحاب ويكون انتقائياً عندما تنزل أمطاره على الأرض فتُفرِّق بين الأرض الجدباء والخصبة؟ أبداً.
ـ وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان في الأخلاق التي يتعامل بها مع الآخرين، وفي القيم التي تحكم حياته، فلا يكون انتقائياً بحيث تكون أخلاقُه وقِيَمُه حاضرةً حين يتعامل مع البعض، وتغيب حين يتعامل مع آخرين.. ومن هذه القيم الأخلاقية صنع المعروف.. كن كالشمس حيث تشرق على الجميع، وكن كالمطر حيث لا يفرّق بين أحد، حتى تندفع الأخلاقية والخير من نفسك للناس كافة. ليكن الخيرُ نبعاً في قلبك، دون أن تتقيد بحسابات الربح والخسارة.. وهذه قمَّة الإنسانية التي يؤكِّدها الإسلام في تربية الإنسان.