خطبة الجمعة ـ الخطبة الأولى: 4 شعبان 1436 : طلب العفو والرحمة


ـ للإمام زين العابدين(ع) في الصحيفة السجادية دعاء تحت عنوان: (في طَلَبِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ)، وقد استوقفني هذا الدعاء حين قرأته للمرة الأولى حيث شككتُ في فهمي لبعض عبارته، فأعدتُ قراءته مرةً واثنتين، حتى تبيّن لي صحةَ ما فهمت في البداية، ففيه من صور وروحية العفو عن الآخرين ما يُذهل.
(اللّهُمَّ وَأَيُّما عَبْد نالَ مِنّي ما حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وَانْتَهَكَ مِنّي ما حَجَرْتَ عَلَيْهِ، فَمضى بِظُلامَتي مَيِّتاً، أَوْ حَصَلَتْ لي قِبَلَهُ حَيّاً، فَاغْفِرْ لَهُ ما أَلَمَّ بِهِ مِنّي، وَاعْفُ لَهُ عَمّا أَدْبَرَ بِهِ عَنّي، وَلا تَقِفْهُ عَلى مَا ارْتكَبَ فِيَّ، وَلا تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بي. وَاجْعَلْ ما سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفِوْ عَنْهُمْ، وَتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ، أَزْكى صَدَقاتِ الْمُتَصَدِّقينَ، وَأَعلى صِلاتِ الْمُتَقَرِّبينَ، وَعَوِّضْني مِنْ عَفْوي عَنْهُمْ عَفْوَكَ، وَمِنْ دُعائي لَهُمْ رَحْمَتَكَ، حَتّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِد مِنّا بِفَضْلِكَ، وَيَنْجُوَ كُلٌّ مِنّا بِمَنِّكَ).
ـ أيةُ عظمةٍ روحيةٍ هذه؟ أية كرامةٍ أخلاقيةٍ هذه؟ أيةُ إنسانيةٍ ساميةٍ هذه؟ سلام الله عليك يا زين العابدين.
ـ وأنا أدعو القائمين على إدارة المناهج بوزارة التربية أن ينفتحوا ولو قليلاً على تراث أهل البيت(ع).. أنا أعلم أن لدى البعض عقدة من هذا التراث، لا لسلبيةٍ فيه، بل هي وراثةٌ للعقدة الأموية، ولكن أقول لهم: تجاوزوها ولو قليلاً، ففيه من روائع قيم الإسلام على مستوى المفاهيم والتطبيق ما لن تجدوه في مكان آخر.
ـ تعانون على مدى سنوات من ظاهرة العنف لدى الأطفال والشباب، أليس في مثل هذا الدعاء الذي لو قُرِّر كنصٍّ تربوي للحفظ والفهم والتطبيق وقايةٌ وعلاجٌ؟ وأمثال ذلك كثير.
ـ لما تم توزيع الصحيفة السجادية في مجلس الأمة قبل سنوات قامت الدنيا ولم تقعد، لأن في مقدمة الناشر ذكراً للأمويين بالسوء.. لم يلتفتوا إلى ما في هذا الكتاب من جواهر الدعاء، بل أخذتهم تلك العقدة أيّما مأخذ.
ـ وأنتم يا شيعة آل البيت، يكفيكم التركيز على أدعية الاستجداء! طلب الجنة والهروب من النار، فتحقق ذلك موقوف على سلوك الإنسان.. الطلب لوحده لا يكفي.. لابد من أن تتغير النفوس، ولابد أن يتغير السلوك ليكون متوافقاً مع صفة أهل الجنة. والأدعية في الصحيفة السجادية ترسم للناس معالم الطريق إلى ما يجعلهم على مثل تلك الصفة ليفوزوا بالجنة.