خطبة الجمعة 26 رجب 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: تقسيم دول المنطقة

ـ مع كل نزاع تشهده المنطقة، يعود الحديث من جديد عن دراسات ومؤامرات ووثائق حول تقسيم دول المنطقة، أو إعادة ترسيم حدود سايكس بيكو، وأمثال ذلك من تعبيرات مؤداها واحد وهو تفتيت المنطقة وإدخالها في المزيد من الصراعات البينية وتدمير بنيتها التحتية وإنهاك جيوشها واستنزاف مواردها المالية.
ـ فهل هذه مجرد فزّاعة لإشغال الناس، أم حلم تعمل بعض الدوائر العالمية والإقليمية على تحقيقه على أرض الواقع وعلى نار هادئة؟ قد لا نتفق على سيناريو من السيناريوهات المعروضة عبر وسائل الإعلام، ولكن يبدو أن الأمر ليس مجرد فزّاعة.. بل حقيقة.
ـ بدأ هذا الحلم مع السودان وتحوّل إلى حقيقة. وهلَّل البعض لهذه الخطوة (الجريئة) على اعتبار أن السودان بلد كبير جداً، والحكومة فيه غير قادرة على إحلال السلم الأهلي، ويصعب تحقيق التنمية مادام الأمر بهذه الصورة، وأن مشروعاً بهذا الحجم سيُنهي النزاعات الداخلية، وليبدأ السودان شمالاً وجنوباً بعد ذلك للتفرغ إلى التنمية. انقسم السودان وبقي على حاله.. فلم ينتهِ النزاع بين شمال السودان وجنوبه، ولا تحقق حلم التنمية.
ـ واليوم، ومن خلال المشروع الاستخباراتي بدعم القوى التكفيرية وُضعت سوريا، وليبيا، والعراق، واليمن على طاولة التقطيع بسيناريوهات مختلفة يجمعها الأمرُ الواقع، وعنوانُ (دولة الخلافة) المزعومة.
ـ وحتى أخْذ رأي الشعوب فيها لم يتم كما يجري في العالم من خلال الاستفتاء الحر، كما شهدناه في أسكتلندا مثلاً.. فالمملكة المتحدة أيضاً مهددة بالتقسيم، ولكن الفرق بين الصورتين كالفرق بين الثريا والثرى.. فاستفتاء الشعوب في الدول العربية يتم اليوم من خلال قوة السلاح ووحشية التدمير وعنف التمزيق الطائفي والعرقي.
ـ كما نشهد الآن تحركاً كردياً في العراق بالسعي دولياً بغرض الحصول على تأييد للانفصال، ويا للعجب أن بعض الدوائر الشيعية باتت ترحّب بهذه الخطوة! فهل الأمر بعد هذا كله مجرد وهم وتلاعب بالمشاعر؟
ـ لعل أول مخطط مكتوب لتقسيم المنطقة وضعه المستشرق (برنارد لويس) وبإشراف مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق (بريجنسكي)، ويقوم على تقسيم 18 دولة عربية إلى مجموعة دويلات صغيرة.
ـ وأدعوكم إلى الاطلاع على سيرة هذا البرفسور ذي المائة عام، وهو بريطاني الأصل أمريكي الجنسية يهودي العقيدة ومتخصص في شؤون العلاقات الغربية الإسلامية، وصاحب الآراء (السلبية تجاه العرب والمسلمين)، وعلى تفاصيل هذا المشروع وكيف تم التعامل معه.
ـ وفي سنة 2006 كتب الجنرال المتقاعد (رالف بيترز) مقالاً بعنوان (حدود الدم)، ونشر في مجلة (Armed Forces) القوات المسلحة، ويشتمل على مضمون مقزز حول ضرورة التمزيق، ولم يترك الحديث حتى عن الإسماعيليين والنقشبنديين والبهائيين والمسيحيين الذين يطالب (بإنصافهم) ضمن المخطط التقسيمي الجديد لتحقيق حلم (السلام والتنمية) في المنطقة، وللسماح لإسرائيل بأن تعيش وسط أربعين دولة معادية لها من دون أن توقع اتفاقية سلام!
ـ وقبل أقل من عام ذاع الحديث عن دراسة مسربة من البنتاغون تتحدث عن تقسيم دول المنطقة، وتشرف عليها 4 وحدات بحث، تضم 120 خبيراً استراتيجياً سياسياً وعسكرياً، مع استهداف للجيوش القوية في المنطقة من خلال استنزافها داخلياً وإقليمياً، مع الإشارة إلى أسماء شخصيات سياسية وعسكرية ورجال أعمال ولوبيات محددة داخل هذه الدول تقوم بمساعدتها بطرق مباشرة وغير مباشرة لتحقيق الهدف.
ـ فهل الحديث عن التقسيم المقبل مجرد ثرثرة؟
ـ سوف نقف غداً جميعاً بين يدي الله تعالى، وسوف نلتقي برسول الله (ص)، وسنُسأل عن رسالته كيف حفظناها في أنفسنا وفي ما حولَنا، وسنُسأل عن أمانة هذه الأمة التي تمزّقت من قبلُ وهي مُقبلة على المزيد من صور التمزّق، كيف سعينا في طريق لَمِّ شملها، والوقوف في وجه مخططات ومشاريع التقسيم التي تُبشّرنا بمستقبل واعد على مستوى السلام والتنمية، بينما لا تفوح منها سوى رائحة الدم، ولا تحمل في آفاقها سوى مشاهد الذبح وأهوال الحروب وأعمال التدمير الممنهجة والعشوائية. وإذا كنا كأفراد لا نملك قرارات كبيرة نحققها على أرض الواقع في هذا الإطار، فإننا نملك أن نكون على مستوى المسؤولية في التعامل مع كل ما يُراد له أن يزيد من الشحن الطائفي والعرقي والسياسي الذي يُثار عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وسنقف بين يدي الله وسنُسأل عن أمانةِ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).