خطبة الجمعة 5 رجب 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: الدعاء لملائكة الله (4 )


ـ نكمل حديثنا حول دعاء الإمام زين العابدين(ع) لملائكة الله حيث يستمر في الصلاة على أنواعهم: (وَعَلَى الرَّوْحانِيّينَ مِنْ مَلائِكَتِكَ، وَأَهْلِ الزُّلْفَةِ عِنْدَكَ، وَحُمّالِ الْغَيْبِ إِلى رُسُلِكَ، وَالْمُؤْتَمَنينَ عَلى وَحْيِكَ، وَقَبائِلِ الْمَلائِكَةِ الَّذينَ اخْتَصَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَأَغْنَيْتَهُمْ عَنِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ بِتَقْديسِكَ، وَأَسْكَنْتَهُمْ بُطُونَ أَطْباقِ سَماواتِكَ) فهذه السماوات التي لا نعلم منها إلا شيئاً يسيراً، ممتلئة بهذا الخلق الكريم وهم في حالة عبادة دائمة، ليس لهم من الطعام والشراب والعمل إلا تقديسُ الله... فما أشد هيبة هذا المنظر لو تخيّله الإنسان!
ـ ثم هناك تلك الطائفة من الملائكة وهم في حال الانتظار عبر الأحقاب لتنفيذ أمرٍ فائق الأهمية، وهم على أتم الاستعداد له.. إنها اللحظة الحاسمة.. إنها يومُ الساعة التي يصدر فيها الوعد الحق بتغيير طبيعة هذا الوجود: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104] لتقوم القيامة بعد ذلك، ولذا قال(ع): (وَالَّذينَ عَلى أَرْجائِها إِذا نَزَلَ الأمْرُ بِتَمامِ وَعْدِكَ).
ـ ومن الملائكة مَن لهم علاقة مباشرة بالأحوال المتغيرة المحيطة بنا: (وَخُزّانِ الْمَطَرِ، وَزَواجِرِ السَّحابِ، وَالَّذي بِصَوْتِ زَجْرِهِ يُسْمَعُ زَجَلُ الرُّعُودِ، وَإِذا سَبَحَتْ بِهِ حَفيفَةُ السَّحابِ الْتَمَعَتْ صَواعِقُ الْبُرُوقِ، وَمُشَيِّعِي الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْهابِطِينَ مَعَ قَطْرِ الْمَطَرِ إِذا نَزَلَ، وَالْقُوّامِ عَلى خَزائِنِ الرِّياحِ، وَالْمُوَكَّلينَ بِالْجِبالِ فَلا تَزُولُ، وَالَّذينَ عَرَّفْتَهُمْ مَثاقيلَ الْمِياهِ، وَكَيْلَ ما تَحْويهِ لَواعِجُ الأمْطارِ وَعَوالِجُها، وَرُسُلِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِلى أَهْلِ الأرْضِ بِمَكْرُوهِ ما يَنْزِلُ مِنَ الْبَلاءِ، وَمُحْبُوبِ الرَّخاءِ).
ـ لقد كانت مشكلة المشركين على مر الأزمنة، أنهم اطّلعوا ـ من خلال الأنبياء ـ على أحوالِ الملائكة، وارتباطهم بالأمور المتغيرة في الحياة مما يمس حاجات الإنسان، فغالوا فيهم بادعاء الألوهية، وتوجّهوا إليهم توجُّه عبادة أملاً في الحصول على المراد، وصوّروهم على هيئة أصنام ترمز إليهم، وحاكوا حولهم الأساطير، وتخيّلوا لهم كل القوة والنفوذ والاستقلالية في إدارة الوجود، وتناسوا حقيقة أن الملائكة ليسوا سوى عبادٍ لله، وأنه وحده الذي بيده كل شيء. ولذا كما أعلن القرآن من قبل، يعلن الإمام السجاد(ع) حقيقة عبودية الملائكة لله بتلك الصورة الخاضعة التي لا تخرج عن الإرادة الإلهية قيد أنملة، مؤكداً على أن طبيعة علاقتنا بهم تتلخص في الإيمان بوجودهم، وفي السلام والدعاء لهم، بعيداً عن أية مظاهر أو سلوكيات دخيلة تفسح المجال ليتغلغل الشرك بخفاء إلى قلوب المؤمنين.