خطبة الجمعة 28/جمادى2/ 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: الدعاء لملائكة الله (3 )


ـ نكمل حديثنا حول دعاء الإمام زين العابدين(ع) للملائكة، فبعد الدعاء لحملة العرش والملائكة المقربين قال: (وَعَلَى الْمَلائِكَةِ الَّذينَ مِنْ دُونِهِمْ، مِنْ سُكّانِ سَماواتِكَ، وَأَهْلِ الأمانَةِ عَلى رِسالاتِكَ) وأما صفاتهم فهي:
1ـ (وَالَّذينَ لا تَدْخُلُهُمْ سَأْمَةٌ مِنْ دُؤُوب) عملهم دائب ومستمر ونشط، لا يشعرون معه بأي ملل.
2ـ (وَلا إِعْياءٌ مِنْ لُغُوب وَلا فُتُورٌ) وهكذا لا يشعرون بالضعف والحاجة إلى الراحة والسكون نتيجة الإجهاد، بخلاف الإنسان الذي من طبعه أنه إذا استمر في عمل محدد بشكل متكرر فإنه سرعان ما يسأم ويريد التغيير، كما أنه يشعر بالإجهاد والحاجة إلى الراحة من العمل المستمر.. ولهذا ينتظر الناس نهاية الأسبوع بفارغ الصبر، ويكون هذا مبعثاً لنشاطهم في مبدأ أسبوع العمل الذي يليه.
ـ بالطبع الأمر بالنسبة إلينا أصبح مختلفاً، حيث تغلب على الإنتاج والعمل ساعاتُ الراحة والإجازات والهروب من العمل والتغيب لأتفه الأسباب وشراء المرضيات.. البعض لا ينظر إلى هذا الموضوع إلا من ناحية إباحة الراتب، لا ينظر إلى تبعات الأمر على مستوى حقوق الناس الضائعة والتنمية المتعطلة وغير ذلك.
ـ في سنين الطفولة كان يُقدَّم لنا نموذج النملة التي لا تتعب ولا تسأم من أجل إنجاز مهامها وحمل ما يزيد على وزنها، والإمام هنا يضيف إلينا نموذجاً آخر، وكأن النشاط والحيوية والإنتاج عنوان كل شئ من حولنا.
ـ أما نحن فقد اخترنا الاسترخاء والهروب من المسؤوليات، خاصة جيل الشباب الذي يُصدَم وهو ما زال في المرحلة الدراسية بأن الأمور لا تعود إلى مدى إنتاجه ونشاطه، بل بالواسطة والمحسوبية والمصالح المتبادلة.
3ـ (وَلا تَشْغَلُهُمْ عَنْ تَسْبيحِكَ الشَّهَواتُ، وَلا يَقْطَعُهُمْ عَنْ تَعْظيمِكَ سَهْوُ الْغَفَلاتِ) لا أحد يدّعي أنّ خلْقهم مشابه لخلقنا، ولكن فلنتذكر أن الله لم يخلقنا لهذه الدنيا، فلم جُل ما نبذله ينصبُّ من أجل الدنيا؟
4ـ (الْخُشَّعُ الأبْصارِ فَلا يَرُومُونَ) أي لا يطلبون (النَّظَرَ إِلَيْكَ. النَّواكِسُ الأذْقانِ) الذين يطأطئون رؤوسهم وأذقانهم في إحساس منهم بالخضوع والتذلل المطلق لك. وانظر إلى تزايد جرأة الإنسان على ربه، إنكاراً لوجوده أو استهزاءً بذاته، فما أجرأ هذا الإنسان على الخالق العظيم!
5ـ (الَّذينَ قَدْ طالَتْ رَغْبَتُهُمْ فيما لَدَيْكَ) فهم يعلمون أن كل شئ بيد الله ومن عند الله.
6ـ (الْمُسْتَهْتَرُونَ بِذِكْرِ آلائِكَ) المولعون بهذا الذِّكر.
7ـ (وَالْمُتَواضِـعُونَ دُونَ عَـظَمَتِكَ وَجَـلالِ كِبْرِيائِكَ).
8ـ (وَالَّذينَ يَقُولُونَ إِذا نَظَرُوا إِلى جَهَنَّمَ تَزْفِرُ عَلى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ: سُبْحانَكَ ما عَبَدْناكَ حَقَّ عِبادَتِكَ) بعد كل ذلك الوصف لعبوديتهم وطاعتهم المطلقة وعملهم الدؤوب يعتبرون أنهم ما عبدوا الله حق عبادته.. فكيف بالإنسان؟ (فَصَلِّ عَلَيْهِمْ) اللهم ارفع درجتهم، وقرّب منازلهم إليك... وللحديث تتمة بإذن الله تعالى.