خطبة الجمعة 22/جمادى1/ 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: نظام الإرث في الإسلام


ـ الإرث من الأحكام الإسلامية الدقيقة والمعقدة حتى أن إتقانَه كان من معايير الثناء على العلماء، فيقال: (كان أفقه أهل زمانه في الفرائض) أي في النِّسَب وأحكام الإرث والورثة.
ـ ولكن خصوصية نظام الإرث في الفقه الإسلامي ليست في هذا الجانب، بل في أن الإسلام قدّم هذا النظام وفق معايير جديدة تنبني على أمور، من بينها:
أولاً، في حياتك، يمكنك أن تنفق ما تملكه بشروط:
1ـ عدم الإنفاق في الحرام.
2ـ عدم الإسراف.
3ـ الالتزام بالواجبات المالية المفروضة من قبل الله كالزكاة.
4ـ الإنفاق على مَن يجب عليك الإنفاق عليهم، كالزوجة والأبناء بما يناسب وضعك الاجتماعي والاقتصادي.
ـ على أنّ الإسلام قدّم عدة توصيات أخلاقية مستحبة ذات علاقة بعملية الإنفاق، كالتصدق والإهداء والتوسعة على الأهل وغير ذلك.
ـ أما فيما يتعلق بما تتركه من مال (نقد ومسكن وسيارة وأسهم ومحل تجاري ... إلخ) بعد مماتك، فلا يُسمح لك بتقسيمه أو التصرف فيه كما تشاء، بل قنَّن ذلك بدقّة ضمن نظام الإرث وبحِصص معيّنة.
ـ فمن المنظور الإسلامي، ما بيدك مِن مال إنما هو في الحقيقة مُلك الله، وأنت مستَخلَف فيه: (آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)[الحديد:7].
ـ ثم إن الإنسان نتيجة العامل العاطفي والقراءة الظاهرية للأمور لن يصل إلى الكيفية الأصلح في التعامل مع تركته، ولذا بعد الحديث عن بعض أحكام الإرث يقول سبحانه: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء:11].
ـ نعم جعل له الحق في أن يوصي بمقدار لا يتجاوز الثلث، ولكنه غير ملزَم بأن يوصي به، على أن يلحظ الموصي بأن تكون الوصية في:
1ـ أمور مشروعة.
2ـ أن لا تتحول إلى وبال على الورثة كأن يوصي بالثلث من كل شيء، بما في ذلك مسكن الأسرة والأثاث.
3ـ أن لا تكون هذه الوصية سبباً لحرمان الورثة من مال هم بحاجة إليه، فعن النبي(ص): (إنك أن تدع
ورثتَك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم). و(كان أمير المؤمنين(ع) يقول: لئن أوصي بخُمس مالي أحب إليّ من أن أوصي بالربع، ولئن أوصي بالربع أحب إليّ من أن أوصي بالثلث).
4ـ أن لا يؤسس بها أسباب النزاع بين الأبناء، بتخصيص الثلث أو بعضه لأحدهم دون الآخرين، ومن غير سبب. عن الباقر(ع): (مَن عدل في وصيته كان كمن تصدَّق بها في حياته، ومن جار في وصيته لقي الله عزّ وجّل يوم القيامة وهو عنه مُعرِض).
ثانياً، تفتيت الثروة لئلا تتجمع في يد شخص واحد كالابن الأكبر، كما كان الأمر أحياناً في الجاهلية، باعتبار أنه الذي يقوم مقام الأب في رعاية شؤون العائلة. مما قد يتحول إلى سبب للظلم والطغيان والاستغلال.. ونحن نجد اليوم أنه مع نظام الإرث الإسلامي، لو كان أحد الأبناء، أو العم مثلاً، هو الوصي على الإرث، كيف تُنتَهب الحقوق، فكيف بالمسألة لو شُرعِنت؟
ثالثاً، إعطاء المرأة نصيباً مفروضاً من التركة، وذلك على خلاف النظام المتَّبع في الجاهلية، بلحاظ أنها لا تُقاتِل دفاعاً عن العشيرة، ولا تُنتِج لتُنفِق على العائلة. فكان الإرث للأبناء، وربما كان للولد الأكبر بالذات، أما الإسلام فاعتبر أن لعنوان الرحم والسبب بالزوجية مدخلية في الأمر. ولذا فلا يُحرَم أحد من الأبناء الذكور والإناث من الإرث ولا الزوجة.
رابعاً، عدم التغافل عن التفاوت في تحمل المسؤوليات بين الورثة، ولذا كانت حصة الرجل أكثر من حصة المرأة، من دون أن يكون في ذلك انتقاص لإنسانية المرأة، بل كل ما هناك أن الإسلام يُلزِم الرجل بالإنفاق على مَن يُعيلهم، دون المرأة، فكانت حصتُه أكبر لمساعدته في تغطية إنفاقاته الإلزامية.
ـ وقد أثار ابن أبي العوجاء هذه المسألة لمؤمن الطاق قائلاً: (ما بال المرأة المسكينة الضّعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرّجال سهمين؟) فكان جواب الإمام الصادق(ع): (إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة وإنّما ذلك على الرّجال، ولذلك جعل للمرأة سهماً واحداً، وللرجل سهمين).
ـ وأخيراً أقول مناصحاً: إنَّ مَن يريد فعل الخير فليفعل ذلك في حياته، وليُحكِم الأمر ويراقب التنفيذ كي يُنفَق المال بما يُرضي الله.. صحيح أن المال عديل الروح ومن الصعب التنازل عنه، ولكن كم مِن نزاعات وسرقات وضياع للأوقاف وإهمال للوصية حدثت، فلم يتحقق للموصي مرادُه، ولا تم توظيف تلك الأموال في وجوه البِر بما يعود على المجتمع والأفراد بالخير والتنمية، وقد قال سبحانه: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّـهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).