خطبة الجمعة 22/جمادى1/ 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: الدنيا كفيء الظل


في الخطبة الثانية والستين من نهج البلاغة: (أَلاَ وإنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لاَ يُسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ فِيهَا) نحن كمسلمين نؤمن بأن الدنيا منزل مؤقت، وأنها بوابة العبور إلى الآخرة، ولذا فهي موطن الاختبار في عدة أمور، مَن نجح في ذلك الاختبار حَسُنَ مَنزلهُ الدائم في الآخرة، ومن فشل فيه ساء مَنزِله الأبدي.
ـ وهذا ما أراد الإمام(ع) أن يؤكد عليه في بداية كلمته، معتبراً أن الإنسان يحدد مصيره وهو في الدنيا، فإذا غادرها، انتهى الأمر بالنسبة إليه، لينتظر الحساب وما يترتب عليه.
ـ حتى مسألة الصدقة الجارية والولد الصالح ودعاء أحبته له وأعمال الخير التي يجعلون ثوابها له وأمثال ذلك مما يستمر بعد وفاته، هي استمرار لما قدمه حال حياته.
(وَلاَ يُنْجَى بِشَيْء كَانَ لَهَا) فما بذلته من جهد ومال ووقت في الدنيا من أجل الدنيا، وما عمّرتَه في الدنيا للدنيا، فلن يكون له قيمة ولا وزن في الآخرة.. ولذا فهو لن يُحقق لك النجاة حينئذ.
(ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً) واختباراً عظيماً تتصارع فيه الأهواء والشهوات والقيم والآمال القصيرة والبعيدة المدى.
ـ أما القانون الإلهي فكالتالي: (فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ) فكل ما ملكْتَه في الدنيا وسعيتَ لجمعه ستتركه لتُدفن في حفرة، ثم تُحاسب عليه مِن أين جئت به، وكيف جمعته، ولِمَ لَمْ تنفقه في ما
يُرضي الله، ولم سمحتَ بمعاناة الآخرين وأنت قادر على أن تخفف عنهم ذلك؟
ـ وفي المقابل (وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ) فإنك لو أحسنت التصرف في ذلك المال وقدّمْتَه في حياتك رغبةً للعطاء الإلهي في الآخرة، فإنك ستجد ثقله في ميزان أعمالك، ليُغدَق عليك من النعيم الأبدي ما تقر به عينُك. قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
ـ (فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْءِ الظِّلِّ، بِيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ، وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ) هكذا هي الحياة الدنيا عند الذين يُعمِلون عقولَهم تفكيراً، تماماً كفيء الظل، لا يبقى وإن امتد في فترة ما، فإنه لابد وأن تغيب الشمس، ليختفي معها الظل، وتبقى وحدها الأعمال الصالحة للإنسان المؤمن لتمثِّل له طوق النجاة في بحر الآخرة المتلاطم.