خطبة الجمعة 15/جمادى1/ 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: دعاء الرضا بقضاء الله


ـ من دعاء الإمام زين العابدين(ع) فِي الرِّضا إِذا نَظَرَ إِلى أَصْحابِ الدُّنْيا: (اَلْحَمْدُ للّهِ رِضاً بِحُكْمِ اللّهِ).
ـ يعيش الإنسان أحياناً كثيرة في حالة مقارنة بينه وبين الآخرين، سواء من حيث المُلك أو المال أو الذرية أو الشكل أو غير ذلك، وهذا ما نزل به القرآن الكريم بقوله سبحانه: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)[طه:131].
ـ هذه المقارنات تُتعب الإنسان نفسياً، ولربما تدفعه إلى الحسد أو الإقبال على الدنيا على حساب آخرته أو الكسب الحرام الذي يحاول من خلاله أن يصل أو يرتفع على الآخر، أو أن يُفقد الآخر تلك الميزة. وهذا الدعاء يحاول أن يعالج هذه القضية، فيبدأ الإمام بإعلان الرضا بحكم الله من خلال حمده على ما حكم.
ـ ثم ينبّه الإمام إلى أن هذه المقارنة وما يتبعها لها بُعد إيماني سلبي: (شَهِدْتُ أَنَّ اللّهَ قَسَّمَ مَعايِشَ عِبادِهِ بِالْعَدْلِ، وَأَخَذَ علَى جَميعِ خَلْقِهِ بالْفَضْلِ) فهي تمثّل حالة ضمنية من عدم الإيمان الكامل بعدل الله فيما قسَم، مما يزيد الأمر خطورة، إذا لا تقتصر المسألة على البُعد الأخلاقي أو السلوكي.
ـ ويعود الإمام ليبيّن أن هذه النِّعم قد تكون للاختبار، اختبار المحروم منها أخلاقياً وإيمانياً، واختبار المنعَّم بها شكراً أو كفراً: (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَلاَ تَفْتِنّي بِما أَعْطَيْتَهُمْ، وَلا تَفْتِنْهُمْ بِما مَنَعْتَني، فَأَحْسُدَ خَلْقَكَ،
وَأَغْمِطَ حُكْمَكَ) لاحظ هنا روعة الدعاء لصاحب النعمة حيث يخرج الإنسان من الأفق الضيق للذات.
ـ ثم يطلب الإمام الراحة النفسية، فما أكثر المتعَبين في هذه الدنيا بسبب هذه المقارنات: (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَطَيِّبْ بِقَضائِكَ نَفْسي، وَوَسِّعْ بِمَواقِع حُكْمِكَ صَدْرِي، وَهَبْ لِىَ الثِّقَةَ لأقِرَّ مَعَها بِأَنَّ قَضاءَكَ لَمْ يَجْرِ إِلاّ بِالْخِيَرَةِ).
ـ نحن عادةً نشكر عندما نحصل على نعمة، ولكن الإمام يريد التوفيق للشكر حتى عند الحرمان، بل وبدرجة أعلى، لأن هذا يرفع من درجة الإيمان، ويزيد قربك من الله، ويريح النفس: (وَاجْعَلْ شُكْري لَكَ عَلى ما زَوَيْتَ عَنّي أَوْفَرَ مِنْ شُكْري إِيّاكَ عَلى ما خَوَّلْتَني).
ـ ويعود الإمام إلى البعد الأخلاقي فيطلب من الله أن لا يجعله إنساناً مادياً، يُقيِّم الناس من خلال ما يملكون: (وَاعْصِمْني مِنْ أَنْ أَظُنَّ بِذي عَدَم خَساسَةً، أَوْ أَظُنَّ بِصاحِبِ ثَرْوَة فَضْلاً، فَإِنَّ الشَّريفَ مَنْ شَرَّفَتْهُ طاعَتُكَ، وَالْعَزيزَ مَنْ أَعَزَّتْهُ عِبادَتُكَ).
ـ ويختم(ع) الدعاء بطلب العطاء الأخروي: (فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَمَتِّعْنا بِثَرْوَة لا تَنْفَدُ، وَأَيِّدْنا بِعِزٍّ لا يُفْقَدُ، وَأَسْرِحْنا في مُلْكِ الأبَدِ، إِنَّكَ الْواحِدُ الاَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ).