خطبة الجمعة 1/جمادى1/ 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: مفاهيم خاطئة حول العمل (3)


ـ مازال حديثنا عن المفاهيم الخاطئة ذات العلاقة بالعمل، ومن بين هذه المفاهيم الخاطئة الترفُّع عن العمل اليدوي عند الشعور بالغِنى، أو الانتماء إلى طبقة معينة في المجتمع، أو مراعاة للوجاهة المانعة عن ذلك.
ـ عن عبدالأعلى مولى آل سام قال: (استقبلتُ أبا عبدالله "ع" في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر، فقلت: جُعلت فداك، حالُك عندالله عزوجل وقرابتُك من رسول الله "ص" وأنت تُجهد لنفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال: يا عبدالأعلى، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك).
ـ فلا الموقع الروحي الذي كان يتمتع به الإمام، ولا الوجاهة التي له عند الناس، ولا الانتماء الأسري منعوه من أن يَخرج بنفسه في ذلك الظرف الجوي الصعب ليكسب رزقه بيده.
ـ ومشهد آخر ينقله أبوعمرو الشيباني هذه المرة حيث قال: (رأيت أبا عبدالله(ع) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائطٍ له والعرق يتصاب عن ظهره فقلت: جعلت فداك، أعطني أكفك، فقال لي: إني أحب أن يتأذي الرجل بِحَرِّ الشمس في طلب المعيشة).
ـ كما أن العمل في حد ذاته شرف مادام مباحاً، بغَضِّ النظر عن طبيعته، وهذا ما يخالف نظرة كثير من أبناء مجتمعنا الذين يستنكفون عن شغل بعض الوظائف حتى وإن احتاجوا إليها، أو احتاج إليها المجتمع، بل ولو كانت متناغمة مع ميولهم وهواياتهم.
ـ عن زرارة قال: (إن رجلاً أتى أبا عبدالله (ع) فقال: إني لا أُحسِن أن أعملَ عملاً بيدي، ولا أُحسِن أن أتَّجر وأنا محارف) محروم (محتاج! فقال: اعمل، فاحمِل على رأسِك واستغنِ عن الناس، فإن رسول الله (ص) قد حمَل حجراً على عاتقه).
ـ إنَّ العملَ والإنتاجَ وخدمةَ الناس شرفٌ للإنسان، ورفعةٌ له، وتناغمٌ مع الفطرة، وسبيلٌ لنيلِ رضا الله، وطريقٌ لتحقيق التنمية التي تنشدها كل المجتمعات، فإن التنمية الحقيقية لا تتم إلا من خلال إنسان فاعل يعرف قيمة العمل، ويعمل من أجل أن يرى حصادَ ما زرع، ولو بعد حين.