خطبة الجمعة 11 ربيع1 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: صفات رسول الله


(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَـوَاتِ وَالأرضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف:158].
ـ تتحدث هذه الآية عن مسؤولية النبي تجاه الدعوة التي كانت موجهة في البدء إلى دائرة محدودة من قبيل عشيرته الأقربين وقريش، لتفتح له أفقاً رحباً في الدعوة إلى الرسالة الجديدة، لتشمل الناس جميعاً.
ـ وقد ذكّرت الآيةُ أهلَ الكتاب بالصفات التي يعرفونها عن رسول الله(ص)، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157]. ويمكن عنونتها كالتالي:
1ـ صفة الأمية في رسول الله(ص)، وقد تحدثت عنها في خطبة سابقة بشكل مفصل.
2ـ تحمّله مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس هو بالإنسان السلبي الذي يتغافل عما يجري في محيطه، فهذا يتعارض والنبوة.. كما أنه يُدرك بمَ يأمر وعمَّ ينهى.
ـ ولو أنكم أمعنتم النظر ـ يا أهل الكتاب ـ في ما يأمر به، فلن تجدوا سوى المعروف عنواناً جامعاً لكل مفرداته.. وليس ما ينهى عنه سوى المنكر في كل مصاديقه.. أليست هذه هي دعوة الأنبياء وحال المرسلين؟
ـ ولو لم يكن رسولَ السماء ولا امتداداً لرسالة موسى وعيسى والنبيين، لوجدتموه يتخبَّط في دعوته، ولأمَر بشئ من المنكر كي يجذب إليه الأتباع، لأنّ الناس يُقبلون على الملذات ولِما يحقق لهم مصالحهم الآنية ولو كانت منكراً أو عن طريقٍ منكَر، وهذا ما نجده في مدّعي النبوة على طول التاريخ، بل وحتى في عالم السياسة.
3ـ دعوة النبي تتضمن شريعةً تريد تحقيق مصلحة الناس، فلا تُحل لهم إلا ما هو طيب نافع، ولا تُحرّم عليهم إلا ما هو خبيث ضار.. وهي بذلك تلتقي مع طبيعة وهدف الشرائع السابقة، لتؤكد مصداقية هذه الرسالة.
4ـ الصفة الرابعة في هذه الدعوة أنها تأتي لتخفِّف من أعباء:
1ـ بعض التشريعات العقابية التي أُمِر بها أهل الكتاب نتيجة تمردهم وعنادهم في بعض المقاطع التاريخية.
2ـ بعض الأحكام التي ظهرت نتيجة التحريف أو التبديع أو التشديد الذي جاء على يد الأحبار والرهبان مما لم يشرّعه الله، بل مثّلت اجتهادات بشرية خاطئة أوقعت المؤمنين بتلك الشرائع تحت وطأتها فأثقلت عليهم الحياة، وتحوّلت إلى أغلال وقيود.
3ـ بعض العادات والتقاليد الخارجة عن نطاق الشريعة، ولكنها اكتسبت شرعية وقداسة بمرور الزمن لأسباب مختلفة، فتحوّلت إلى أغلال وقيود ترهق أهل الكتاب مالياً وجسدياً ونفسياً.
ـ وللأسف فإننا نكرر اليوم ذات التجربة، حيث التشديد غير المبرَّر في الأحكام في المواقع التي جاء فيها الدليل بالتخفيف على المكلفين، من قبيل (كل شئ لك طاهر حتى تعلم أنه نجس) حتى تحوّل المتدين إلى مبتلٍ بالوسواس، وأنْسته كثيراً مما في الدين على صعيد المفاهيم والأبعاد الروحية والأخلاقية للتشريعات والعبادات، ليعيش هاجس بعض الأحكام الفردية على مستوى الممارسة الجامدة فقط.
ـ كما نكرر ذات التجربة بابتداع عادات وطقوس باسم الدين، ونُلبسها من القداسة وتوضَع لها من النصوص ما يُرهَب به الناس، من قبيل تحويل شهري محرم وصفر بأكملهما إلى شهري حداد، يتخوف فيه الناس من شراء ما هو جديد، أو ارتداء الثياب الجديدة، فضلاً عن عقد قران أو ما شابه، بينما عرف أهل البيت(ع) عزاء الحسين في العشر الأول من المحرم، ويضاف إليها مناسبات متفرقة كوفاة رسول الله(ص).
ـ وهكذا الأمر في وسم شهر صفر بشهر النحس، ليعيش خلاله الناس هواجس الخوف والتشاؤم، وليبتدعوا بعد ذلك ما يطرد هذا النحس المزعوم من صلوات وأعمال ما أنزل الله بها من سلطان!
ـ إن الله تعالى يقرر في الآية المباركة مسألةً مهمةً جداً، إذ يقول لنا أن الذي بيده عالم التكوين.. عالم السماوات والأرض.. وهو يديره بحكمته وعلمه وقدرته، ولم يترك الوجود يتخبط بلا نظام وقوانين وهداية تكوينية.. هو الذي بيده عالم الهداية والتشريع، فلم يترك الناس يعيشون التخبط والضلالة والضياع، بل أرسل إليهم الأنبياء، ليكون هذا النبي الأمي آخر تلك السلسلة المباركة، فآمِنوا به وبرسالته، فقد أكمل الله تبليغَ دينِه فكرياً وتشريعياً وأخلاقياً من خلال هذه الرسالة المتصفة بالشمولية والقابلية للاستمرار مع الإنسان في الامتداد الزمني إلى يوم القيامة... وعظِّموا شأنه، فهو سيد المرسلين وخيرُ خلقِ الله أجمعين.. وانصروه بما أمكنكم، فإنكم وإن لم تعيشوا صراعه المباشر ضد الباطل، إلا أن صراع الحق والباطل، والخير والشر لا ينقطع عبر الزمان، فتحملوا مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تحمّلها(ص).. واتبعوا القرآن الذي أنزِل عليه، وتمسكوا بشريعته الخالدة، فإن في اتّباع القرآن والأخذ بشريعة الرحمن مظنَّة الهداية التي ستنالون من خلالها تلك الرحمة الواسعة التي خصّ الله بها عبادَه المؤمنين في الآخرة.