خطبة الجمعة 12 صفر 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: خطورة الإعجاب السطحي


(قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:100].
1ـ الإعجاب قد يكون شعوراً سطحياً، يتكوّن من خلال المشاعر والأحاسيس، ويغيب معه دور العقل، فتكون المشاعر منفلتة.. فيُعجَب الإنسان ـ انطلاقاً من مشاعره ـ بما لا يحكم العقل بكونه طيّباً نافعاً.
ـ ولذا الخطاب جاء بعنوان (يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)، يا أصحاب العقول.. هكذا يجب أن تكونوا أيها المسلمون، من ذوي العقول، من الذين يفكرون قبل اتخاذ القرار، قبل أن تؤيّدوا هذا أو ترفضوا ذلك.
ـ فمن المفترض بالنسبة إلى الإنسان المسلم أن يخلق حالة من التزاوج بين العقل والعاطفة، فوظيفة العاطفة أن تضفي على العقل شيئاً من ليونتها ورقّتها، وتزيل منه احتمالات الجمود في الأسلوب.. ووظيفة العقل أن يتحكم في العاطفة فلا يجعلها تقود الإنسان إلى متاهات القرارات الخاطئة.
2ـ ولكن حكم العقل وحده لا يكفي، فقد يصل الإنسان إلى قرار بحكم العقل، ثم يتخلى عنه لمصلحة العاطفة. ولذا اتقوا الله في قراراتكم وأفعالِكم، فالتقوى صمّام الأمان لذلك، وبمجموع العقل والتقوى يمكن تحقيق الفلاح.
3ـ ومن مسببات الإعجاب المتكون سطحياً: مشهد الأكثرية والعدد، ليتحول الإعجاب بعد ذلك إلى انسياق، واستسلام للكثرة.. إلا أن الله تعالى يحذّر في الآية من خطورة هذه الحركة غير المدروسة.
ـ فالكثرة قد تكون لما هو خبيث، فلا تغرنكم، فما الخبيث إلا كمثل الزبد الذي يطفو على سطح الماء: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ). وهو: (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ)[إبراهيم:26].
ـ وأما حقيقة الطيب الذي قد يكون أتباعه قلة هي: (كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)[إبراهيم: 24 ـ 25].
ـ ولذا فإن الكثرة المالية والاقتصاد المتنامي المعتمِد على المعاملات المحرمة وأكل مال الناس بالباطل، كثرة خبيثة لا قرار لها، وستذهب جُفاء عاجلاً أو آجلاً. وأصحاب القوة العسكرية المعتمِدة على الظلم والاستكبار والإفساد في الأرض أصحاب كثرة خبيثة، لا قرار لها، وستذهب جُفاء عاجلاً أو آجلاً.. وأصحابُ الامتداد في الجاه والشهرة والمنصب والأتباع من الأفراد أو التجمعات أو الأحزاب الذين يعتمدون على الخداع واستغلال الدين وشراء الضمائر.. أصحابُ كثرةٍ خبيثة، لا قرار لها، وستذهب جفاء عاجلاً أو آجلاً.. هذه هي المعادلة الإلهية التي تُبطِل المعادلاتِ السطحية لكل الذين يتّكلون على الحسابات المادية، وينسون المعادلة الإلهية التي لا تتبدَّل: (سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا)[الفتح:23].