نحو خطاب منبري تجديدي ـ أمامة اللواتي ـ مسقط

مع تنوع مصادر المعرفة وأدواتها، ودور المناهج البحثية في عملية تمحيص التراث والتاريخ، وإيمان الجيل الواعي بأهمية التفكير النقدي والاستقصائي، أصبح من الضروري تجديد الخطاب المنبري وبث فكرة التوازن فيه. فقبل سنوات عديدة كانت مصادر المعرفة الدينية تقتصر على جوانب محدودة كشراء واقتناء الكتب، التي لم تكن متوفرة عبر منافذ متعددة وبأشكالها الورقية والالكترونية كما هو اليوم، كما لم يكن المتيسر منها على قدرٍ كبيرٍ من التنوع . أيضاً كان الإستماع إلى أهل العلوم والخطباء بشكل مباشر أحد مصادر المعرفة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب العقائدية والتاريخية. كما لم يكن من الممكن الاطلاع على البيئة الدينية في الدول الأخرى والتعرف على خطابهم الديني إلا بالسفر والحضور الشخصي.
وكما نرى فإن هذه الأسباب شكلّت عائقاً أمام الحصول على المعرفة في جميع مجالاتها ومنها بطبيعة الحال المعرفة الدينية. وبالتالي اقتصرت هذه المعرفة على مجموعةٍ محدودة في المجتمع. ولكن مع تطور وسائل المعرفة والتواصل وتعددها وبروز مناهج بحثية جديدة في العلوم الإجتماعية والإنسانية، فإنه لا يمكن تجاهل تأثير ذلك على الخطاب المنبري فضلا عن الاستفادة منه .
أصبح المطلوب من الخطاب المنبري اليوم، الكثير من الضوابط حتى يحافظ على مكانته ويستمر في دوره بتثقيف وتوعية المجتمع والتأكيد على قضية أهل البيت عليهم السلام، ومعالجة القضايا الدينية والاجتماعية. ويصبح هنا من الضروري لخطباء المنابر الانفتاح على الاساليب الجديدة في الطرح والتحليل وربما أيضا تغيير بعض المفردات المستخدمة والتي لم يعد لها تأثير بسبب تغير لغة الخطاب الحالي، وهنا يجب التأكيد على لغة الخطاب الديني وأهميته الآن ومستقبلاً، فقد أدت التطورات في مناحي الحياة المختلفة إلى ظهور خطابات متنوعة تمازجت فيما بينها، وأصبحت اللغة المستخدمة والمفردات التي يتم توظيفها هي المفتاح لايصال الفكرة واقناع الجمهور بها.
الخطاب المنبري العاشورائي بالذات بحاجةٍ إلى تجديدٍ شامل، وقد يكون هذا المطلب صعباً بعض الشئ خاصةً وأنه يوظف جوانب تاريخية وعقائدية مدعّمة بكمٍ كبيرٍ من النصوص التي يجب قراءتها بوعيٍ أولاً، وتنقيتها واختيار ما يتناسب منها مع الطرح العام وعدم الاعتماد على المشاعر والعواطف وحدها في عملية الإقناع، أو محاولة تضخيم الأحداث لجلب الدمعة قبل العبرة.
وربما نحن بحاجة هنا إلى المزيد من الدراسات التحليلية والتاريخية لقضية كربلاء والقصص التي تناقلت ورُويت عنها، والحد من روايات (لسان الحال) التي يدافع عنها بعض الخطباء. ورغم أن بعضهم قد لا يعتمد عليها إلا في أضيق الحدود لكنها فتحت المجال لمجتمعات أخرى للتجاوز فيها، بل وأحيانا التطرق لأحداثٍ تاريخية خاطئة فيا يتعلق بواقعة كربلاء والظروف التي أحاطت بثورة الحسين عليه السلام.
من القضايا الملحة أيضا بالنسبة للخطاب المنبري هو كمّ الغيبيات التي يتم الركون إليها في عرض مسارات القصة، ورغم أننا لا ننفي الجانب الغيبي لكن تكثيفه بهذه الطريقة يجرّد القضية الحسينية من قدرتها على مجاراة الفعل البشري، وربما يصنع حاجزاً بين قدرات الانسان الذي يجب أن يصارع الباطل كما صارعه الحسين وبين القدرات الغيبية التي تركز عليها بعض الروايات. والحقيقة أنه لا بد من الاعتراف أن النصوص الروائية المتواترة والثابتة المنسوبة للائمة عليهم السلام فيما يتعلق بتراث أهل البيت عليهم السلام تغلق كل بابٍ للتحليل والمناقشة، وتجعلها في مرتبة النصوص القرآنية التي لا يمكن التشكيك فيها. وهي قضية متروكة بأيدي الباحثين والعلماء للتفكر فيها والخروج من مأزق اللامعقول في بعض النصوص.