خطبة الجمعة 28 محرم 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: رُهاب الأغيار وقوائم الإرهاب


(وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ، لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ، ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [آل عمران:110-112]
ـ هناك مجموعة من المبادئ و الأسس التي يؤمن بها اليهود، وتنعكس على سلوكياتهم، فتجعلهم يعيشون عقدة خوف وريبة تجاه الأمم الأخرى.. ويمكن تسميتها (فوبيا الأغيار). فعلى سبيل المثال:
1ـ تربيتهم المادية، واستباحة ملكية الأغيار وحرُماتهم، تسمح لهم بممارسة الربا بشكلٍ بشع، مما يُراكم الأحقاد ضدهم، وتنشأ ردود فعل عنيفة ضدهم تصل إلى حد القتل والإجلاء ومصادرة أموالهم وما إلى ذلك.
2ـ ممارستهم الفحشاء وما يُعرف بتجارة الرقيق الأبيض وإنشاء دور القمار وأمثال ذلك، تُراكِم الصورة القبيحة للمجتمعات اليهودية، وتضاعِف من ردود الفعل السلبية تجاههم.
3ـ النصوص الدينية المليئة بالأحقاد تجاه الأغيار، والتخويف منهم، والدعوة لإبادتهم وتسخيرهم، والتذكير المستمر بالمآسي التي عاشها بنو إسرائيل في ظل الأغيار من فراعنة وقبائل الشام والكلدانيين والروم، تجعلهم مجتمعات منعزلة، وتؤجج فيهم الأحقاد، وتزرع الخوف والسعي للحفاظ على الذات ولو بالتمسكن والذلة.
ـ وهذا ما تشير إليه الآية: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ... وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) كانوا يغيرونها ويتلاعبون فيها وفي دلالتها ويبيحون ويحرّمون كيفما شاءوا (وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) على التشريعات وعلى حرمات الآخرين، فلم تعد العناية الإلهية تشملهم كي تخلّصهم من هذا، فتُركوا وأنفسَهم، والنتيجة هي هذه الذلة والمسكنة.
ـ ولكن الظروف الموضوعية ربَّما تفسح المجال للذليل أن يكون عزيزاً، لا من جهة العزّة والقوّة الداخليتين، بل:
1ـ بالاستفادة من السنن الإلهية، من قبيل أن من يأخذ بأسباب القوة ويعمل مجدّاً فإنه يحقق النتائج ولو لم يكن مؤمناً، فيستفيد من ضعف الآخرين، ووقوفهم في مواقع الذِّلَّة، كما هو حال العرب والمسلمين اليوم في الصورة الإجمالية، وهو ما عبرت عنه الآية بـ (إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ).
2ـ التقاء مصالح الآخرين مع مصالح اليهود، فيهيّئون لهم وسائل الدعم والقوّة الخارجية السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية وغير ذلك وهو ما عبرت عنه الآية بقوله تعالى: (وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) .
ـ واحدة من مفردات الدعم الغربي للصهاينة يتمثّل في الغطاء القانوني الذي يوفَّر لكل الجرائم التي تُرتَكب.
ـ الجرائم والمذابح التي ارتكبها الصهاينة منذ عشرينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا، كأفراد ومنظمات ودولة، كفيلة بأن تجعلهم على رأس قائمة الإرهاب الدولية.. ولكنها اليوم تخلو منهم.. لماذا؟
ـ حركات مقاومة وطنية تُدافِع عن الأرض والحقوق، وأحياناً منظمات إنسانية، تُصنَّف وفق هؤلاء كمنظمات إرهابية، وتُتّخَذ بحقّها كافة الإجراءات من ملاحقة ومصادرة أموال وغير ذلك.
ـ وفي المقابل تبرير وتبرئة لكل الجرائم التي يرتكبها الصهاينة وقادتهم، والتي يخالفون فيها كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية عياناً جهاراً وبصورة موثّقة.
ـ أي تعريف للإرهاب ومعاييره تنطبق بكل جلاء على الصهاينة وكيانهم.. ولنأخذ نموذجاً على ذلك:
ـ بعض الدراسات القانونية اعتبرت أنه لابد من توفر أربع خصوصيات للحكم بأن ما يجري عبارة عن إرهاب:
1ـ ممارسة العنف الممنهج ضد شريحة خاصة من الناس، ويستهدف عادة المدنيين والأبرياء منهم.
2ـ لهذه الممارسة بواعث ودوافع خاصة، في الغالب سياسية أو إيديولوجية.
3ـ الفعل الإرهابي يستهدف تحقيق أهداف معينة لها ارتباط بالعامل السياسي.
4ـ تنوع مصادر العنف الإرهابي: إرهاب الفرد والجماعة وإرهاب الدولة.
ـ ومثلما هناك ازدواجية في معايير التعامل مع الإرهاب الصهيوني من قبل الدول الغربية، فإننا نخشى من المزاجية والشخصانية والانفعال وتقديم المصالح الضيقة وتحكيم ازدواجية المعايير على الأسلوب العلمي، في تشكيل قوائم الإرهاب من قبل الدول العربية والإسلامية، فإنّ أخْذَ البرئ بجريرة المجرم، لن يحقق الأمن الوطني والإقليمي والعالمي، بل سيخلق عقداً أمنية وسياسية جديدة، وقد تدفع بالحانقين من أنصار تلك التيارات المقاوِمة أو الأفراد والجماعات المتهمة بالإرهاب زوراً، إلى التطرّف أو السقوط في براثن الإرهاب الحقيقي بصورة أو أخرى. إنّ تحكيم المعايير العلمية الدقيقة وتحرّي العدالة والاستقلالية في القرار تضمن الوصول إلى النتائج المثلى التي لا يتحوّل من خلالها الضحية إلى إرهابي، والإرهابي إلى ضحية بجرّة قلم، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)﴿المائدة:8﴾