خطبة الجمعة 28 محرم 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: المسؤولية تجاه الزمن


ـ كيف يبرمج الإنسان المؤمن يومه في الليل والنهار؟ ما هي أهم المسؤوليات اليومية الملقاة على عاتقه تجاه ربه ونفسه ومجتمعه بجانب كسب العلم أو الرزق والترفيه عن النفس؟
ـ للإمام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية دعاء بعنوان (دعاؤه عِنْدَ الصَّباحَ وَالْمَساءِ)، ومن خلاله يرسم معالم الإجابة على هذه التساؤلات.
1ـ فهو يبدأ بترسيخ ارتباطنا الروحي والإيماني بالله من خلال كونه الخالق والمدبر لهذا الوجود، والمنعم علينا بتغاير الليل والنهار بما يحمله ذلك من آثار مهمة على حياة الإنسان، الأمر الذي يستدعي لزوم شكره وتعظيمه: (فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فيهِ مِنْ حَرَكاتِ التَّعَبِ، وَنَهَضاتِ النَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِباساً لِيَلْبَسُوا مِنْ راحَتِهِ وَمَنامِهِ، فَيَكُونَ ذلِكَ لَهُمْ جَماماً وَقُوَّةً، وَلِيَنالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً، وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فيهِ مِنْ فَضلِه، وَليتسَبّبوا إلى رِزقِه، وَيَسرَحوا في أرضِهِ...).
2ـ ثم يؤكد الإمام بعد ذلك على مسؤوليتنا تجاه الزمن، أي العمر الذي نقضيه.. فكل ورقةٍ من التقويم السنوي نمزقها، إنما نطوي بها يوماً من عمرنا، ونؤكد من خلاله على مسؤوليتنا تجاهه: (وَهذا يَوْمٌ حادِثٌ جَديدٌ، وَهُوَ عَلَيْنا شاهِدٌ عَتيدٌ، إِنْ أَحْسَنّا وَدَّعَنا بِحَمْد، وَإِنْ أَسَأْنا فارَقَنا بِذَمٍّ).
3ـ ولذا ينتقل الإمام في دعائه طالباً من الله التوفيق لأن يكون هذا اليوم يوم طاعة وعبادة وإخلاص، تمتلئ من خلاله صحيفة أعمالنا بالحسنات، (اللّهُمَّ يَسِّرْ عَلَى الْكِرامِ الْكاتِبينَ مَؤُونَتَنا، وَامْلأ لَنا مِنْ حَسَناتِنا صَحائِفَنا، وَلا تُخْزِنا عِنْدَهُمْ بِسُوءِ أَعْمالِنا).
4ـ ثم يستعرض الإمام طبيعة هذه المسؤوليات التي يجب السعي لتحقيقها من خلال عناوينها الكبرى حيث قال: (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَوَفِّقْنا في يَوْمِنا هذا، وَلَيْلَتِنا هذِهِ، وَفي جَميعِ أَيّامِنا لاِسْتِعْمالِ الْخَيْرِ، وَهِجْرانِ الشَّرِّ، وَشُكْرِ النِّعَمِ، وَاتِّباعِ السُّنَنِ، وَمُجانَبَةِ الْبِدَعِ، وَالاْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَحِياطَةِ الإسْلامِ، وَانْتِقاصِ الْباطِلِ وَإِذْلالِهِ، وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَإِعْزازِهِ، وَإِرشادِ الضّالِّ، وَمُعاوَنَةِ الضَّعيفِ، وَإِدْراكِ اللَّهيفِ).
ـ إن هذه المسؤوليات لا تقف عند حد المسؤولية الفردية في العبادة والآداب الشخصية، بل تتسع لتشمل:
1ـ توظيف الطاقات في كل صور الخير، واجتناب كل صور الشر.
2ـ تحمّل المسؤولية تجاه الانحراف الذي يعيشه المجتمع، بعدم الوقوع فيه، والعمل على تخليص المجتمع منه.
3ـ التزام جانب الحق والدفاع عنه، ومواجهة الباطل بحزم وإضعاف أسباب ومواطن قوته.
4ـ السعي في قضاء حوائج الناس مادياً أو معنوياً أو معرفياً.
ـ وهكذا نعيش مع أفق جديد من آفاق الدعاء في الصحيفة السجادية لندرك أن مدرسة الإسلام في الدعاء لا تقف عند حد طلب الحوائج والرغبة في الثواب، بل هي ـ كما علمنا أهل البيت(ع) ـ مدرسة الحياة التي من خلالها يزداد المؤمن قرباً من ربّه، ويكتشف فيها صفاء الروح، وينطلق من خلالها ليكون إنسان الخير الذي يُغدق على الحياة عطاءً ومحبّة.