الدفاع عن المقدسات : الشيخ علي حسن

(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:40].
تهديم الأماكن المقدسة والمواقع التي يُذكر فيها اسم الله كثيراً جريمة كبرى، ولذا وجب دفع مثل هذا العدوان، سواء بالقوة أو بغير ذلك من الوسائل.
أسباب ضرورة الدفع:
فبالإضافة إلى حُرمة هذه الأماكن، كالمساجد مثلاً، فإن هناك أمراً آخر لابد أن نلحظه، وهو أن التهديم يهدف في الأساس إلى السعي لمنع ذكر الله سبحانه وتعالى.
ولربما هذه هي الغاية من قوله تعالى في الآية السابقة: (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا)، لوم تتوقف عند قوله سبحانه (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ).. أي أنهم إنما يريدون هدمَها لأنهم لا يريدون أن يبقى ذِكرٌ لله سبحانه وتعالى، بل إنهم: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) وهناك من يريدون تحقيق ذلك بأيديهم أيضاً (وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف:8].. فالأساس في المسألة بالنسبة إلى هؤلاء هو أن يمحو ذكر الله!
رجالُ يحملون الأمانة:
ولما كان استمرارُ ذِكرِ الله سبحانه على الأرض بحاجة إلى رجالٍ يحملون الأمانة، ليعزِّزوا هذا الذِّكر، وليدفعوا عدوان الباغين على مواطن ذِكر الله، فقد أوصى النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين باتِّباع عترته مع القرآن، كما جاء في خبر الثقلين المتواتر وبألفاظ مختلفة منها ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب، وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أَهْلُ بيتي، وإن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما).
رجالٌ في بيوت الله:
والعترة الطاهرة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم مصداق بارز من مصاديق قول الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:36-37].
العترة حملة الأمانة:
ومن هنا كان وجودُ العترة وامتدادُهم في المسلمين وموقعُهم في القلوب وتأثيرُهم على الناس عثرة كبيرة أمام مَن سعوا لمحو ذكر الله، ولذا سعى هؤلاء لمحو ذِكر العترة! وقد قال قائلهم عندما سمع الأذان: (لا والله إلا دفناً دفناً).
و مِن السَّذاجة أن يُقال أن هؤلاء قد شيّدوا المساجد وعمَروها، فكيف يريدون محو ذكر الله؟ لأن القرآن يحدثنا أن هناك من يبني المسجد ليطفئ نور الله! (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[التوبة:107].
ذكرهم باقٍ:
وهذا ما شخّصته العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين علي رضوان الله عليها بكل وضوح حيث قالت ليزيد في مجلسه: (فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحيَنا، ولا تُدرك أمدَنا).. فذِكرنا سيبقى، وسنستمر في حمل الأمانة التي أوكلت إلينا في إعلاء كلمة الله ونشرها ودفع العدوان عليها.
لقد سعى يزيد أن يقتل الحسين، ويقتل مَن معه من أهل بيته سعياً لمحو ذكر الله، لأنهم حملةُ الأمانة السماوية.. ولذا رُوي أنه جاء النداء من معسكر الأمويين أن: (لا تُبقُوا لأهلِ هذا البيت باقية).
جرائم مكررة:
واليوم نشهد مساعي شُذّاذِ الأحزابِ من التكفيريين لمحو ذكر الحسين بالأعمال الإرهابية في الإحساء والعراق ونيجيريا وأفغانستان وباكستان وغيرها.. وما جرائمهم هذه إلا امتدادٌ لجرائم أسلافهم بحق العترة.
إلا أن إصرار المؤمنين بقضية الحسين عليه السلام وإحياء ذكراه فوتت ـ وستبقى تفوّت ـ الفرصة عليهم في تحقيق أهدافهم المشؤومة..
العدوان على المسجد الأقصى:
وكما شهدت مجالس ومواكب الحسين عليه السلام هذه الاعتداءات الإرهابية، طالعتنا يد الإجرام الصهيوينة في الجهة الأخرى.. في القدس، وهي تسعى للعدوان على المسجد الأقصى بشتى الطرق.. باقتحامه.. بتدنيسه.. بإغلاقه.. بحفر الأنفاق تحتَه.. بمنع المصلين المسلمين من الوصول إليه.. بالاستيطان القسري.. بتهجير المقدسيين.. وهي بذلك كلِّه تسعى لمحو ذكر اسم الله في قبلة المسلمين الأولى، فإما أن يتم ذلك بهدم المسجد، وإما بتلك الإجراءات التعسفية التي واجهتها مقاومة بطلة من الرجال والنساء والأطفال، وتوّجها الشهيد المقدسي بمحاولة اغتيال المتطرف الصهيوني (غيليك) أحد أهم المخططين للاستيلاء على المسجد الأقصى أو تدميره، وهو ما أوصل رسالة واضحة بأن المقاومة في فلسطين لن تسلّم المسجد الأقصى مهما كان الثمن.