خطبة الجمعة 21 محرم 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: خطاب الكراهية


ـ (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم:26-29].
ـ مَن يتمعّن في حقيقة (خطاب الكراهية) يجده مصداقاً للشجرة الخبيثة.
ـ وأصحابُ خطاب الكراهية والمروِّجون له هم مصداقٌ للذين: (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) إذ لا ثمرة لهذه الشجرة الخبيثة التي تستهلك نعم الله وتوجّهها في الأحقاد والعدوان وسفك الدماء سوى الدمار.
ـ الإعلان الدولي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 عرّف خطاب الكراهية باعتباره (الخطاب الذي يؤكد دونيَّة شخص ما أو جماعة ما على أساس الانتماء الإثني أو الديني.. إلخ).
ـ وفي المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1976: (تُحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكّل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف).
ـ منذ عقود، وهناك توجه قانوني وإنساني واسع لتجريم (خطاب الكراهية)، لأن هذا الخطاب لا يتوقف عند حد الكلمات، بل يتجاوز ذلك ليمثّل الوقود الدائم لارتكاب الجرائم والحروب، وذلك بحسب طبيعته، حيث يُعتمَد فيه على الترهيب من الآخر، والتحريض عليه، والاعتماد على التشويه و استعمال التعبيرات غير اللائقة.
ـ في راوندا كانت محطة الراديو والتليفزيون الحر (دي ميل كولين) منطلقاً لخطاب الكراهية تجاه قبيلة معينة، وكانت النتيجة أن وقعت الإبادة الجماعية، ولقي مليون شخص حتفه عام 1994 بسبب ذلك.
ـ وفي1998 تمت إدانة مسئولي المحطة من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ـ قبل سنوات، وعندما ابتُليت الكويت بمجموعات إرهابية، قامت عدة جهات حكومية بمساعي لتجريم الخطاب التكفيري، وهو من أنواع خطاب الكراهية، و لإبداله بخطاب (وسطي) و (وطني) و (معتدل)..
ـ ولكن كان الجهد منصباً على التكفير السياسي، وأما ما سواه فقد أهمِل، و صُمَّت الآذان عن عشرات الدعوات المخلصة لتنقية المناهج وغيرها، وقلت في وقتها أن هذا خطأ كبير، فالتكفير تكفير، وما يصيب المواطنين يصيب الوطن ككل.
ـ نعم، حسناً فعلت وزارة التربية بإدخال مادة الدستور في المناهج الدراسية، وما أروع العبارات الوطنية والوحدوية التي يتضمنها هذا المنهج.. ولكنها خطوة عرجاء، لأن في منهج التربية الإسلامية ما يهدم هذا كله.
ـ والفرصة أمام الوزير الجديد لأن يعيد النظر في هذا الأمر بجدية وبأسلوب علمي.. فالمشكلة أحياناً أنه يتم تشكيل لجنة لتقييم المنهج، وبعض أعضاء اللجنة من حملة الفكر التكفيري!ليخرجح التقرير فقي نهاية المطاف بأن المنهج برئ من التهمة المنسوبة إليه.
ـ اليوم تَمثُل أمامَنا الجريمة التي ارتُكبت في الإحساء خلال إقامة مجلس عزاء حسيني، واخترقت فيها رصاصات الغدر والحقد أجساد تسعة عشر مواطناً سعودياً، وقتلت منهم سبعة.. و منّا إلى إخوتنا في الإحساء كل العزاء والمواساة. ولكن رُبَّ ضارة نافعة.. فإن مظاهر العزاء والتشييع ـ رسمياً وشعبياً وإقليمياً ـ عكست حضوراً وطنياً مَهيباً حُمل فيه شعار (إخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه) لتتوجه بذلك ضربة قاصمة إلى مشروع التكفيريين التخريبي الذين تصوّروا أن الأجهزة الأمنية ستتقاعس عن مهامها، وذلك لحضور العنوان المذهبي.. ولكن يبقى أن نؤكد على أن هذه الجريمة ليست وليدة صُدفة، ولا نتاج لحظة طيش أو تغرير، ولا هي محدودة في إطارِ بلدٍ خليجي دون آخر.. هذه الجريمة نتاجُ خطابِ كراهيةٍ مستمر منذ عقود. و مما يدفع نحو المزيد من خطاب الكراهية أنه صار مصدراً من مصادر النجومية والمجد السريع، فمَن أراد أن يُحقق المال والشهرة، فإن التحريض كفيلٌ بنقله في وقت قياسي إلى وسائل الإعلام و الاتصال و ليضعه في مصاف نجوم الدعاة والمشايخ. عشرات الكتب تُطبَع، والكثير من دعاة الكراهية يُجلبون إلى البلاد محمَّلين بأجنداتٍ خاصة تريد أن تجعل من الكويت دار بوار.. ونتطلع إلى اليوم الذي تُتَّخذ فيه كل الإجراءات القانونية والتعليمية والتربوية والإعلامية التي تقضي على خطاب الكراهية من أيّ كان ومن أيّ مذهب أو فئة، ليفكّر أصحابُ النفوس المريضة ألف مرة ومرة قبل أن ينطقوا بكلمة تحرّض على هذا أو ذاك.