خطبة الجمعة 21 محرم 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: صرف البلاء


وَكانَ مِنْ دُعاء الإمام زين العابدين عَلَيْهِ السَّلامُ إِذا دُفِعَ عَنْهُ ما يَحْذَرُ، أَوْ عُجِّلَ لَهُ مَطْلَبُهُ: (أَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ قَضائِكَ، وَبِما صَرَفْتَ عَنّي مِنْ بَلائِكَ).
ـ كيف يفكر المؤمن إذا تحققت له مطالبه بدفع ما كان يكره، أو جلب ما كان يحب بعد أن يشكر الله عليها؟
ـ هل يعتبر ذلك علامة على الرخاء الدائم والمستقبل المشرق الذي لا اهتزاز في صورته؟ وهل يعتبر أن ما تحقق له هو خيرٌ محض؟ تقدير الأمور بهذه الصورة قد تترتب عليه عدة سلبيات:
1ـ الاسترخاء والتهاون، مما يوقعه في محذور نسيان الله ونعمه، والتخلي التدريجي عن حرارة العبادة والدعاء والإقبال على الله. (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)﴿الحديد: 16﴾
2ـ لربما كان تعجيل هذه النعمة اختباراً له، ولم يتعامل معها بهذه الصورة، فيفشل في هذا الابتلاء: (قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)﴿النمل: 40﴾
3ـ ولعل الله عجّل له هذه النعمة تقديماً للخير على ما قد يعقبه من الشر الذي قد يستمر طويلاً. (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) ﴿الإسراء: 18﴾
ـ ولذا فإن الإمام(ع) يحذّر في هذا الدعاء مِن مثل هذا الاسترخاء الذي يقع فيه كثيرون، بدلاً من الشكر وتعظيم النعمة المشوب بالتعامل الحذِر مع احتمالات أسباب تعجيلها.
(فَلا تَجْعَلْ حَظّي مِنْ رَحْمَتِكَ ما عَجَّلْتَ لي مِنْ عافِيَتِكَ) فأنا لا أنخدع بالظاهر، ولا أعتبر أن ما تحقق لي الآن في الدنيا علامةً على السعادة التامة، فلربما بهذه النعمة أفقدُ الكثير من الخير:
1ـ حين أبتعد تدريجياً عنك وأنشغل بما أنعمت به عليّ.
2ـ أو حين أطغى وأستكبر من خلال هذه النعمة.
3ـ أو حين أوظّفها في ما يُغضبُك.
(فَأَكُونَ قَدْ شَقيتُ بِما أَحْبَبْتُ، وَسَعِدَ غَيْري بِما كَرِهْتُ) حين استمر البلاء بغيري فصبر، وازداد تعلقه بك، فنال بذلك رضوانك.
ـ بالطبع هذا لا يعني أن يتمنى الإنسان البلاء، بل يعني أنه لو أصيب به، فمن الخطأ أن يجزع، بل يكون راضياً بما أصابه، صابراً عليه، لأنه يرى السعادة في هذا البلاء من خلال نتائجه الإيجابية اللاحقة... وإن تخلّص منه، لم ينسَ الله ولم يغفل عن آخرته.
ـ وفي النتيجة، فإن الإمام(ع) يطلب من الله أن يختار له ما هو الأصلح من العافية والبلاء، لأنّ مبلغ همِّه أن يكون في أحضان رضوانه، لا في مواقع سخطه. ولذا قال(ع): (وَإِنْ يَكُنْ ما ظَلِلْتُ فيهِ، أَوْ بِتُّ فيهِ، مِنْ هذِهِ الْعافِيَةِ، بَيْنَ يَدَىْ بَلاء لا يَنْقَطِعُ، وَوِزْر لا يَرْتَفِعُ، فَقَدِّمْ لي ما أَخَّرْتَ، وَأَخِّرْ عَنّي ما قَدَّمْتَ).
ـ وأنا أدرك يا رب حقيقة أن البلاء في الدينا مهما كان عظيماً، فإنه يبقى محدوداً من حيث الزمن، ومن حيث الأثر، وأما عقاب الآخرة فهو العقاب الباقي الممتد في آثاره الرهيبة، ومن يستطيع أن يصبر على ذلك؟ (فَغَيْرُ كَثير ما عاقِبَتُهُ الْفَناءُ، وَغَيْرُ قَليل ما عاقِبَتُهُ الْبَقاءُ) فمغرور من يجزع من بلاء الدنيا، ولا يجزع من عذاب الآخرة (وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ).