من المفلس ؟

روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل بعض أصحابه: (هلْ تَدْرُونَ مَنْ ‏الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا‏: الْمُفْلِسُ فِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. قَال‏: ‏إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ‏، ‏فَيَقْتَصُّ ‏‏هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
تجربتا إفلاس:
قد يعيش الإنسان في هذه الدنيا تجربة الإفلاس، ولكن تجربة إفلاس الآخرة مختلفة، ومن بين صور اختلافها أنه قد يُفتَح له في الدنيا مجالُ تعديل أوضاعه، وجدولة ديونه.. أما في الآخرة فلا مجال لتعديل الوضاع.
المشكلة هنا أن هذا الإنسان يغادر الدنيا وهو يتوقع أن ما جاء به من حسنات ستكون كفيلة بأن يضمن النجاة في الآخرة، وهو غافل عن الجانب الآخر من الصورة، فالله قد يتجاوز عما صدر من الإنسان تجاهه، ولكنه لا يتجاوز عن ظلامات الناس وحقوقهم، إلا أن يتجاوز الناس عنها.. ومن يضمن ذلك؟
الظلم ثلاثة أصناف:
عن الإمام عليّ عليه السلام: (ألا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب) هذا كله في حالة ما لو لم يتب الإنسان منها في الدنيا ويُصلح الأمر فيها، أما مع التوبة والإصلاح فإن الله تواب رحيم (فأمّا الظلم الذي لا يُغفر فالشرك بالله، قال الله تعالى: [إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ]، وأمّا الظلم الذي يُغفر فظلم العبد نفسَه عند بعض الهنات، وأمّا الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم بعضاً).
لا تعوّل على الدمعة:
البعض في هذه الأيام من شهر محرم ومن خلال مشاركته في مجالس العزاء وبكائه على سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام يُعوِّل على أن يكون هذا سبباً لغفران هذا النوع من الذنوب.. كلا وألف كلا.. لا تخدع نفسك، ولا تسمح لبائعي صكوك الغفران يأن يخدعوك.. فلو غفر الله لك ما صدر عنك (عند بهض الهنّات) لهذا السبب، فإنه لا يغفر الظلم الصادر منك بحق عباد الله، فالأحاديث التي تتكلم عن غفران ذنوب الباكين على سيد الشهداء عليه السلام لا تشمل هذا النوع منها.
لا تخدع نفسك:
لقد قال الله تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا). وهذه هي القاعدة التي تحكم علاقة الإنسان بالمظالم التي ارتكبها بحق الناس.
الاقتداء بالنبي:
فلينظر الإنسان إلى ما قدَّمت يداه، ولتكن له في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة، وذلك أنه لمّا نَزَلَتْ (إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ). قَالَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا جِبْرِيلُ، نَفْسِي قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ. قَالَ جِبْرِيلُ: وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) يقول الراوي: (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِلالاً أَنْ يُنَادِي بِالصَّلاةِ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ"ص" فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَبَكَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ.... إلى أن قال: (مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَبِحَقِّي عَلَيْكُمْ مَنْ كَانَتْ لَهُ قِبَلِي مَظْلَمَةً فَلْيَقُمْ فَلْيَقْتَصَّ مِنِّي!).
وسنكمل الحديث عن كيفية التوبة في مثل هذه الحالة في العدد القادم بإذن الله تعالى.