مشاهد من كربلاء - أمامة مصطفى اللواتي

الزمان: 10/ محرم/61 هـ.. المكان: صحراء كربلاء.. كل المشاهد مرتبطة بالمكان والزمان ذاته .
المشهد الأول:
" بني كيف الموت عندك " ؟
" فيك أشهى من العسل" !
تقدم القاسم بن الحسن، في رجليه نعلان من خوص، عليه قميصٌ وأزار، بيده سيف..
من بريق عينيه الشبيهتان بوالده الحسن سبط النبي، تلمح سنواته الاثنتا عشر أو الأربعة عشر.
تقدم من الحسين طالباً الأذن بالقتال، أبى الحسين أن يأذن له فهو التذكار الأجمل من أخيه الحسن، لكن عزم القاسم لا حدود له، فانحنى على ركبتي عمه يقبلهما ويتمسح بهما، طالباً الأذن مرة أخرى.
كانت أنشودة حربه:
إن تنكروني فأنا نجل الحسن سبط النبي المصطفى والمؤتمن
مشى إلى الموت والقوم في انبهار من شجاعته الفائقة رغم سني عمره القليلة، انحنى يصلح خيطاً في نعله وهو في ساحة المعركة، فالقوم بكل ما لديهم لا يساوون لديه خيطاً واحداً في نعله، انتهز العدو انشغاله، انهالت عليه السيوف والرماح، ومن تحت حوافر الخيل جاء النداء الأخير:
" يا عماه أدركني" ! فقد شرب القاسم من الموت.. شرب من العسل !
المشهد الثاني:
" قمر بني هاشم" أبو الفضل العباس، جميل بني هاشم، الرجل الوسيم الذي كان يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان الأرض، وحامل بيرق الموت، بيرق كربلاء ! أحد أبناء علي بن أبي طالب، اسمه العباس ويكنى بأبي الفضل وأمه أم البنين، قتل أبناؤها الأربعة في كربلاء .
جاء يطلب الماء من العدو، فقد أحرق الضمأ أكباد الأطفال، وجف اللبن في صدور المراضع، وهاهي سكينة بنت الحسين تنتقل كالطير الذبيح من خيمة إلى أخرى تطلب الماء لأخيها الرضيع عبدالله . لعل أحداً من القوم يرحم غربة هؤلاء الأطفال، لكن الجواب اتاهم سريعاً: " يا ابن أبي تراب .. لو كان وجه الأرض كله ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد ".
أعلن أبو الفضل هدفه يجب الحصول على الماء بأي ثمن ولو كان هذا الثمن أن يُقتل، فلقد وعد الأطفال العطشى بالماء، ثم أليس هو " ساقي عطاشى كربلاء" ؟
نجح أبو الفضل في مسعاه في الحصول على الماء من نهر الفرات عبر الدخول في طرقٍ فرعية بين النخيل، غير أن الأعداء كمنوا له في طريق العودة، وقطعوا يده اليمنى تلك التي كانت تحمل قربة الماء ، حملها في اليسرى وخيال سكينة تنتظره مع الرضيع وبقية الأطفال لا يفارق قلبه، قطع القوم يسراه، فحط القربة على قربوس الفرس وأمسك عنقها بأسنانه فما عاد يملك أيديٍ تحمل القربة ، جاءه عمودٌ على رأسه، وطعنةٌ أليمة من الظهر، وسهمٌ في العين فسقط وسقط معه البيرق .
يُقال أن الحسين هرع إليه ملتاعا وهو يتمتم " الآن قد انكسر ظهري، الآن قد قلت حيلتي" فقد رحل حامل اللواء البطل. ويقال أيضاً : أن بيرق الحسين حينما نُشر لم يجد فيه موضعاً سالماً من السهام إلا قبضة الكف التي كانت تمسك به" !
المشهد الثالث:
علي الأكبر.. أول من اُستشهد من أهل بيت الحسين عليه السلام عمره خمس وعشرون سنة . شابٌ حسن الصورة جميل المنظر على وجه لا نظير له. بكى الحسين حين برز الأكبر للقتال ورفع سبابته نحو السماء قائلاً :" اللهم أشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه، اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا".
قتل الأكبر جمعاً كبيراً من الأعداء حتى ضج الأعداء من ذلك ، رجع علي الأكبر إلى أبيه الحسين وقد فتت نار العطش أحشاءه " يا أبتي العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة ماء من سبيل " ! أغرورقت عينا الحسين فما أبسط حاجة ابنه العزيز وما أصعب تلبيتها فقد حبس القوم الماء عنهم.. " بني أرجع إلى قتال عدوك فاني أرجو إنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى لا تظمأ بعدها أبدا " .
احتوشه الأعداء من كل جانب، أطالوا ضربه وقطعوه إرباً إرباً، أدركه الحسين حين هوى على الثرى، وضع خده على خد ولده وقال: " قتل الله قوماً قتلوك ما أجرئهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول بني بعدك على الدنيا العفا ".
المشهد الأخير:
لماذا الحرب ؟ في رؤية الشهيد لحماية المضطهدين والدفاع عن الرسالة . ألم يقل الحسين " لم أخرج أشراً ولا بطرا بل خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي " .
لماذا الموت؟ القضية ليست ألا تموت أو تموت بل كيف تموت؟
الم يقل الحسين " الموت خير من ركوب العار والعار أولى من دخول النار"
السلام عليك أيها الحسين، سلامٌ على جسمك السليب، سلامٌ على نحرك الطعين، سلام على رأسك الشريف، السلام عليك وعلى أهل بيتك ومن استشهد معك في هذا اليوم الجلّل .