خطبة الجمعة 14 محرم 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: التوبة من مظالم الناس


ـ عن شيخ من النخع قال: (قلت لأبي جعفر(ع): إني لم أزل والياً منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا، فهل لي من توبة؟ قال: فسكت، ثم أعدت عليه، فقال: لا، حتّى تؤدي إلى كل ذي حقٍّ حقَّه).
ـ طلب مني عدد من الإخوة أن أتحدث عن السبيل للفكاك من مظالم الناس، وكنت قد بينت في الأسبوع الماضي أن السببيل للخلاص منها هو التوبة والإصلاح. ولمزيد من البيان أقول:
1ـ الإصلاح في المظالم المادية يتم بإرجاع الحقوق إلى أصحابها، مع الاستغفار وعدم العود والتكرار إلى مثله
ـ في قصة قوم يونس(ع) أنه بلغ من توبتهم أن ردّوا المظالم: (حتى إن الرجل كان يقلع الحجر بعد أن وضع عليه بناء أساسه فيرده إلى مالكه).
2ـ وإن لم يمكن الوصول إلى صاحب الظلامة، بأية طريقة، مع الانتظار والبحث، فيتصدق به، فعن يونس بن عبد الرحمن سُئل أبو الحسن الرضا(ع) وأنا حاضر فقال له السائل: (جعلت فداك، رفيقٌ كان لنا بمكة فرحل منها إلى منـزله ورحلنا إلى منازلنا، فلما انصرفنا في الطريق أصبنا متاعه معنا، فأي شيء نصنع به؟ قال: تحمله إلى الكوفة. قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع؟ قال: إذا كان كذا، فبعه و تصدق بثمنه. قال له على من جعلت فداك؟ قال: على أهل الولاية).
ـ وفي فترة البحث فليسجل الإنسان في وصيته مثلاً أن هذا الشئ ليس له، وأنها أمانة أو ما شابه.
3ـ وإن كانت معنوية، من قبيل الغيبة والسب والنميمة والبهتان، فهنا ثلاث حالات:
ـ الأولى: أن لا يعلم المظلوم بأنك اغتبته مثلاً، فالأفضل في هذه الحالة أن لا تُعلِمه، وتستغفر له، وتحسّن صورته عند من اغتبته عندهم، وتعتذر أمامهم مما قلت.
ـ الثانية: أن يعلم المظلوم بذلك، فبالإضافة إلى ما سبق لابد من التسامح منه وعلى المظلوم أن يتجاوز عنه.
ـ الثالثة: أن تترتب على هذه المظلمة آثار، من قبيل آثار النميمة، فلابد من السعي لإصلاح ما أفسد.
ـ الرابعة: أن لا يملك القدرة على الوصول إليه بسبب موته مثلاً، أو غيابه، فليستغفر له. ففي الخبر عن الإمام الصادق(ع): (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله: مَن ظلم أحداً و فاتَه، فليستغفر الله له، فإنه كفارةٌ له).
ـ ويُنصح في مثل هذه الحالات عموماً أن يأتي المذنب بشئ من أعمال الخير ويهدي ثوابه إلى المظلوم.
ـ إن مسألة حقوق الناس بمستوى من الأهمية حتى أننا نجد أن مسلم بن عقيل لما أخبره ابن زياد أنه مقتول لا محالة: (قال: دعني إذاً أوصي إلى بعض القوم. قال: أوصِ إلى من أحببت. فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد، وفيهم عمر بن سعد فقال: يا عمر، إن بيني وبينك قرابة دون هؤلاء، ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك لقرابتي نُجح حاجتي، وهي سرّ، فأبى أن يمكّنه مِن ذِكرها، فقال له عبيد الله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه وجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد، فقال له ابن عقيل: إن عليَّ بالكوفة ديناً استدنتُه مذ قدِمتُها تقضيه عنّي حتى يأتيك مِن غَلّتي بالمدينة، و جُثَّتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، و ابعث إلى الحسين مَن يرده. فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال؟ قال: اكتم ما قال لك، قال: أتدري ما قال لي؟ قال: هات، فإنه لا يخون الأمين، ولا يؤتمن الخائن. قال: كذا وكذا، قال: أمّا مالك فهو لك، ولسنا نمنعُك منه فاصنع فيه ما أحببت، وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكفّ عنه، وأما جثته فإنا لا نشفعك فيها، فإنه ليس لذلك منا بأهل، وقد خالفَنا وحرص على هلاكنا. ثم قال ابن زياد لمسلم: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام). إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. وللإمام زين العابدين في دعاء الإثنين هذه العبارة: وَأَسْأَلُكَ فِي مَظالِمِ عِبادِكَ عِنْدِي، فَأَيُّما عَبْد مِنْ عَبِيدِكَ، أَوْ أَمَة مِنْ إمآئِكَ، كَانَتْ لَهُ قِبَلِي مَظْلَمَةٌ ظَلَمْتُها إيَّاهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي عِرْضِهِ، أَوْ فِي مالِهِ، أَوْ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، أَوْ غَيْبَةٌ اغْتَبْتَهُ بِها، أَوْ تَحامُلٌ عَلَيْهِ بِمَيْل أَوْ هَوَىً، أَوْ أَنَفَة، أَوْ حَمِيَّة، أَوْ رِيآء، أَوْ عَصَبِيَّة غائِباً كانَ أَوْ شاهِداً، وَحَيّاً كانَ أَوْ مَيِّتاً، فَقَصُرَتْ يَدِي، وَضاقَ وُسْعِي عَنْ رَدِّها إلَيْهِ، وَالتَّحَلُّلِ مِنْهُ. فَأَسْأَلُكَ يا مَنْ يَمْلِكُ الْحاجاتِ، وَهِيَ مُسْتَجِيبَةٌ لِمَشِيَّتِهِ، وَمُسْرِعَةٌ إلى إرادَتِهِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأَنْ تُرْضِيَهُ عَنِّي بِما شِئْتَ، وَتَهَبَ لِي مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً، إنَّهُ لا تَنْقُصُكَ الْمَغْفِرَةُ، وَلا تَضُرُّكَ المَوْهِبَةُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.