أمهات المؤمنين: رؤية شرعية - الشيخ حسين المصطفى ـ القطيف

للأسف، هناك كثير من الذين اعتادوا لعن و سب مقدّسات الآخرين ، وهذا أمر محرم ومرفوض ؛ لأنّه يسيء إلى تماسك المجتمع الإسلامي ويثير الفتنة بين المسلمين . وربما يزيد البعض في توجيه اللعن والإهانة إلى بعض الرموز الإسلامية التي أمرنا الله باحترامها كزوجان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللائي قال فيهن الله عز وجل: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) وهذه الآية الكريمة تدل دلالة كبيرة ومهمة وذات قيمة على المكانة التي أرادها الله لزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة الإسلامية، فجعلهن أمهات المؤمنين، والمقصود بالمؤمنين عموم الذكور والإناث، فهن أمهات المؤمنين والمؤمنات.
واختيار عنوان الأم يوحي بما يختزنه مفهوم الأمومة من معاني، وما يبعثه من مشاعر وما يفرضه من بر واحترام ونأي عن العقوق.
وليس صحيحاً أن وصف زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمهات المؤمنين إنما هو لبيان حرمة الزواج منهن، فهن رضي الله عنهن بمنزلة الأم التي يحرم نكاحها، إذ يردّه أن حرمة نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكفلت ببيانه ـ وبنحو واضح ـ آية أخرى هي قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمًا)، مضافاً إلى أن عطف جملة (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) على جملة (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) والتي تكفلت ببيان منزلة النبي بالنسبة إلى سائر المؤمنين يُعطي ظهوراً لجملة (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) في أنها تبيّن منزلة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة.
قال الفقيه الكبير الفاضل الهندي (ت1137هـ): (ومن الكرامات أنه جعلت أزواجه أمهات المؤمنين بنص الآية، بمعنى تحريم نكاحه على غيره، واحترامهن).
قال الشيخ الطوسي (ت460هـ) بشأن قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ): (إنما قال [ كَأحَدٍ ] ولم يقل [كواحدة] لأن أحداً نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة، أي لا يشبهكن أحد من النساء في جلالة القدر وعظم المنزلة، ولمكانكن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشرط أن تتَّقين عقاب الله باجتناب معاصيه، وامتثال أوامره. وإنما شرط ذلك بالاتقاء لئلا يعوّلن على ذلك، فيرتكبن المعاصي، ولولا الشرط كان يكون إراءً لهن بالمعاصي، وذلك لا يجوز على الله تعالى).