حج فقهي أم حج روحي؟! سماحة الشيخ حيدر حب الله


قد يوحي هذا العنوان بأن الفقه يناقض الروح والروحانية، أو يختلف عنهما، فهناك حج فقهي وهناك حج روحي، ولكن الذي نريده هنا أن نثبت أن الحج الفقهي يجب أن يكون روحياً تربوياً تطهيرياً، وأن الحج الروحي والتطهيري الذي يعيد الإنسان إلى وطنه كيوم ولدته أمه… هذا الحج لا يتجاوز الضوابط الفقهية والشرعية ولا يستهين بها، ولا يتخطاها. إننا نجد على أرض الواقع ظاهرتين نعتقد أنه يجب تصحيحهما:
الظاهرة الأولى:
أشخاص يذهبون للحج والعمرة ويحاولون الاقتراب من المدرسة الروحية لهذه الفريضة العظيمة، فيملؤون أوقاتهم بالدعاء والصلاة والتوبة والتطهّر، صادقين مخلصين يهدفون بفعلهم هذا أن يرتقوا في مدارج الروحانية أو أن يشطبوا على تاريخ حياتهم السابق المليء بالذنوب والمعاصي، وكثير من عامّة الناس يعيشون قدراً من هذا الجو الروحي في رحلة الحج، ويحاولون أن يعيشوا معاني الحج الروحانية، لكن المشكلة أنهم لا يراعون ـ لسبب أو لآخر ـ الأحكام الشرعية للحج، فبعضهم يعيش حالة جهل حقيقية بفقه الحج؛ ولهذا ربما يقع هؤلاء في أحيان كثيرة في أُمور توجب بطلان الحج نفسه، أو يترتب عليها كفارات شرعية يجب أداؤها، من هنا كان من الضروري ترشيد عمل الناس من خلال نشر ثقافة التفقه في أحكام الحج، كي يضمن هؤلاء أن يكون الحج صحيحاً مجزءاً وفي الوقت عينه مقبولاً عند الله تعالى.
الظاهرة الثانية:
وفي مقابل الحالة الأولى المتقدمة نجد الكثير من الناس سيما من المتشرّعة والمؤمنين الملتزمين بخط الإسلام يغرقون في متابعة الجانب الفقهي لقضايا الحج حتى تراه يغيب عن روح الحج وعن رسالته المعنوية الكبرى؛ ففي الطواف تجده يعيش عقدة أخذ الكعبة على يساره، ويركّز كلّ همّه وطاقته على أن لا ينحرف كتفه الأيسر عن الكعبة الشريفة، ولا يخرج من هذا الهم والغم إلا في الشوط السابع؛ حيث يكون قد أتم أعمال الطواف، ليبتلي بهمّ آخر حيث يصارع في عدم الالتفات المخل عن الصفا أو المروة أثناء السعي، وهكذا في سائر المناسك.
إن هذا الاستغراق في البعد الفقهي للحج على حساب البُعد الروحي، يشبه ما يتحدّث عنه علماء الأخلاق والعرفان عن الاستغراق في مسائل تجويد القرآن والاهتمام بمخارج الحروف في الصلاة على حساب حضور القلب، وكأن عمود الدين يكمن فقط في التلفظ الصحيح بالكلمات وفي جعل تركيز الإنسان كلّه في كيفية إخراج الألفاظ من مخارجها وما شاكل ذلك.