أبان بن تغلب ـ العلامة محمد جواد مغنية

إن قصة أبان بن تغلب هي قصة الصدق والأمانة، الصدق في الحديث والدين والعلم والعمل، قصة رجل اتفق السنة والشيعة على أمانته وتوثيقه، والأخذ بروايته، قصة عالم روى أحاديث النبي عن أهل بيته، وكان فيها صادقاً مصدَّقاً.
ومن أراد أن يعرف رجلاً ينفر بطبعه عن كل ما يشين، بخاصة رذيلة الكذب فليقرأ ما جاء بحق أبان من الثناء، فلقد أخذ بحديثه خمسة صحاح من الصحاح الستة، ووثقه الإمام أحمد بن حنبل وابن معين وأبومعين وغيرهم من شيوخ السنة، وقال عنه الذهبي الدمشقي: (هو شيعي جَلِد، ولكنه صدوق) وليس من شك أن الدين لا ينفك عن الصدق بحال، ومن هنا اعتقد العوام الصدق في جميع رجال الدين، حتى يثبت عندهم العكس.
وقال الإمام الصادق: (إن أباناً سمع مني حديثاً كثيراً، فما رواه لكم، عني يروي). وقال له الإمام الباقر: (اجلس في المدينة وافتِ الناس، فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك).
يفخر العالِم بكتاب يؤلفه، أو بنظرية يكتشفها، أو بآلة يصنعها، ويفخر الإمام بالعلماء المخلصين الصادقين، ويعتز بأبان وأمثاله من الذين أضاءوا طريق الإنسانية، بنور العلم والإيمان، وليست شهادة الإمام لأبان كالشهادات والإجازات التي يمنحها شيخ لآخر، أو أستاذ لتلميذ من تلامذته، والتي هي أشبه بشهادة الإنسان لنفسه، وإنما هي شهادة الحق من معدن الحق، هي الحكم الفصل، لا شهادة عدل....
ومهما يكن، فإن قول الإمام لأبان: (أحب أن أرى في شيعتي مثلك) يكشف عن حقائق يجهلها كثيرون، منها أن مبدأ التشيع هو التقوى والصلاح، وأن أئمة أهل البيت قد عملوا جاهدين ليكون شيعتهم مثلاً أعلى لهذا المبدأ، قال الإمام الباقر: (والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وماكانوا يُعرَفون إلا بالتواضع والتخشع والأمانة والإنابة، وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة، والبر بالوالدين والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة وكف الألسن عن الناس إلا مِن خير).
ومنها أن الهدف الذي كان يعمل أهل البيت من أجله هو المحافظة على الإسلام، وانتشار رسالته والاستجابة لدعوته.
ومنها أن الذين تهجموا على شيعة أهل البيت بالافتراءات والأكاذيب إنما تهجموا وافتروا على الإسلام بالذات، وعلى الملايين الذين اتخذوا شعارهم ومبدأهم العمل بكتاب الله وسنة الرسول....
وكان أبان إذا دخل المدينة توقضت إليه الخلق، وأخليت له سارية الرسول، فيتحلق الناس حوله، يحدثهم، ويقول: حدثني جعفر بن محمد. وعاب عائب على روايته عن الإمام الصادق، فقال: (كيف تلومونني في روايتي عن رجل ما سألتُه عن شئ إلا قال: قال رسول الله؟!).
مات أبان سنة 141هـ، وما زالت أحاديثه حُجّة متَّبعة عند السنة والشيعة، والسر لهذا الخلود يكمن في صدقه أولاً وقبل كل شئ، هذا، مع العلم بتقدمه وعلو مكانه في التفسير والحديث والفقه والأدب واللغة والنحو، ولكن كم من عالم تُرك و نُبذ لعدم الثقة بصدقه وأمانته؟ وفي الحديث عن الإمام الصادق: (لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شئ قد اعتاده، فلو تركه استوحش، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته).