زمزم.. قصة حسن الظن بالله

عندما جاء أمر الله للنَّبي إبراهيم عليه السلام أن يأتي بزوجته هاجر وولده إسماعيل من فلسطين إلى مكَّة.. ومكَّة لم يكن فيها آنذاك لا زرع ولا ماء ولا حتى بشر، فالكعبة لم تكن قد رُفعت قواعدها بعدُ.. لم يتردَّد النَّبيّ إبراهيم عليه السلام في تنفيذ أمر الله، وجاء بزوجته وولده، وأنزلهما في تلك الأرض، تاركاً معهما قليلاً من الطّعام والماء.
وقبل أن يرحل، تمسَّكت به زوجته هاجر متوسّلة، قائلة له: لمن تتركنا هنا، ولا معين يعينني، أو يعين ولدي الرّضيع، ولا طعام ولا ماء؟ فقال لها: الله يكفيك كلّ ذلك، فقالت له، وهي المؤمنة بالله، الرّاضية بما يأتي من الله: إذاً فهو لا يضيعنا.
وغادر النبيّ إبراهيم أرض مكّة وكلّه ثقة بربّه، وقد اكتفى بأن يتوجه إليه بهذا الدعاء: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
وما هي إلا أيّام قليلة حتى نفد الماء، وبقي القليل من الطّعام، وبدأت معها هاجر مسيرة الحيرة واللّهفة، وإسماعيل الصغير يعاني، وهي وحدها في صحراء، ومع ذلك، لم تفارقها كلمات النَّبيّ إبراهيم عليه السلام المطَمْئنة، بأنّ الله سوف يجعل لها مخرجاً. وما إن أنهت الشّوط السابع، وعادت إلى جبل الصّفا، حتى لمحت شيئاً ما عند قدمي وليدها: إنّه الماء يفيض بأمر من الله.. وكانت زمزم.
عندما تتعقّد في وجهك الأمور، وتسودّ الدّنيا في وجهك، وتُقفل الأبواب في طريقك، هنا يظهر حسن ظنّك بالله، تُسلّم أمرك إلى مشيئته، وتمضي وعينك على السّماء، فهناك من يحبّك، وهو العطوف الرّحيم، وهناك من عينه عليك وهي الّتي لا تنام، وهناك من تعني له أنت كما أنت، لأنّه هو من خلقك وسوّاك وعدلك ورزقك، هو إلهك ولن يتركك، هو القادر على كلّ شيء.. ما عليك إلا أن تستحضره وتتوجّه إليه بقلبك ووجدانك، اترك همّك عنده ولا تخف، اترك مشكلتك عنده واطمئنّ، اتركها وأنت تثق بأنّه سييسّرها لك.. قل له يا ربّ دبّرها.. وسيدبّرها من دون علمك، المهمّ أن تظنّ به خيراً فتلقى خيراً، أمّا إذا ظننت به سوءاً فستلقى سوءاً.
عن الإمام جعفر الصّادق عليه السلام: (ما ظنَّ عبدٌ بالله خيراً، إلا كان الله عند ظنّه به، ولا ظنّ به سوءاً، إلا كان الله عند ظنّه به، وذلك قوله عزّ وجلّ: [وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ]).. إنّ حسن الظنّ بالله أساسه المعرفة بالله، فكلَّما عرف الإنسان ربّه أكثر في كماله وصفاته وأفعاله ورأفته ورحمته وحبّه لعباده وإرادته الخير لهم، تعزّز حسن ظنّه به.