من هدي الإمام محمد الجواد

هو الإمام محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام.
روى أحد أصحابه وهو: أبو هاشم الجعفري (نسبةً إلى جعفر بن أبي طالب وهو من أحفاده) يقول: (سمعت أبا جعفر يقول: إنَّ في الجنّة باباً) والذي يحبُّ الجنّة فليقرأ هذه الكلمة جيّداً وليعمل بها (يُقال له المعروف، لا يدخله إلاّ أهل المعروف. فحمدت الله في نفسي) فالظاهر أنَّ هذا الرجل كان وجيهاً يقضي حوائج الناس (وفرحت بما أتكلّف من حوائج الناس، فنظر إليّ وقال لي: نعم) وكأنّه عرف ما في نفسه (تُمّ على ما أنت عليه، فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في الآخرة) فإذا كنت من أهل المعروف في الدنيا، فإنَّ الله يجعلك من أهل المعروف الذين يدخلون من باب (المعروف) إلى الجنّة.
روى الشيخ الصدوق بإسناده عن علي بن مهزيار قال: (قلت لأبي جعفر الثاني) أي الإمام الجواد عليه السلام: (قوله عزَّ وجلّ: {والليلِ إذا يغشى، والنّهارِ إذا تجلّى}؟ وقوله عزَّ وجلّ: {والنّجمِ إذا هوى}، وما أشبه هذ؟ فقال: إنَّ الله عزَّ وجلّ يُقسم مِن خلقه بما يشاء، وليس لخلقه أن يُقسموا إلا به عزَّ وجلّ).
روى الشيخ الكليني بسنده إلى عثمان بن سعيد من أهل همدان عن أبي ثمامة، قال: (قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّي أريد أن ألزم مكّة أو المدينة وعليَّ دَيْنٌ، فما تقول؟ فقال: ارجع فأدّه إلى مؤدي دَيْنك وانظرْ أن تلقى الله عزَّ وجلَّ وليس عليك دَيْن، إنَّ المؤمن لا يخون). إنَّ الإمام الجواد عليه السلام يؤكّد بأنَّ مجاورة مكّة والمدينة ـ حتى لغرض العبادة ـ لا تبرّر لهذا الإنسان أن يترك دَيْنَه بدون وفاء، لأنَّ ذلك يمثّل خيانة، والمؤمن لا يخون.
وفي رواية عنه عليه السلام عن خصال المؤمن، يقول: (المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه) وذلك بأن يفيض عليه من ألطافه بما يفتح عقله، ويغني قلبه، ويأخذ به في خط الهداية، ليملك الوعي والاتزان والاستقامة، فيحاول أن يحاسب نفسه، ويفكر في ما مضى عليه من الزمان؛ هل ما مضى عليه خير أم شر؟ فإن كان خيراً فإنَّه يزداد منه، وإنْ كان شرّاً فإنَّه يُقلع عنه، ولا بدَّ لهذه المسألة من المزيد من الموضوعيّة العقلانية التي تدفعه إلى التمرّد على هواه، وإلى وعي الواقع المحيط به في حساب السلبيّات والإيجابيات على مستوى المصير (وقبول مَنْ ينصحه) فهناك أناسٌ يأتون إليك لينصحوك في أمر دينك ودنياك، ويبيّنوا لك أخطاءك وليرشدوك إلى الصراط المستقيم، فعليك أن تقبل نصيحة مَنْ ينصحك وتعظ نفسَك بنفسك وتطلب التوفيق من الله.
ثم يقول عليه السلام: (لا تكن ولياً لله في العلانية وعدوّاً له في السرّ) بحيث تكون أمام النّاس مؤمناً خيّراً تحمل "السبحة" بيدك وتسبِّح الله، ولكن إذا خلوت مع نفسك فإنك تصبح عدوّاً لله من خلال أعمالك التي لا يرضاها الله تعالى. ومن هنا، ينبغي للإنسان أن يكون الصادق في علاقته بالله، بحيث تلتقي علانيته بسرّه فلا تنفصل عنها، وذلك بالازدواجيّة بين السرّ والعلن، لأنَّ ذلك يوحي بفقدان التوازن ويؤدي به إلى خسارة المصير، لأنَّه يضع نفسه في دائرة النفاق، وهذا ما يجعله في موقع سخط الله الذي يعامل الناس على واقع أمورهم في الباطن الذي تتمثّل فيه حقيقة الشخصيّة.