خطبة الجمعة 17 ذوالقعدة 1435 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: السخرية


ـ يريد الإسلام لأفراد المجتمع أن يتعايشوا بسلام، لأن هذا السلام هو الذي يفتح المجال للناس ليُكامِلوا بعضَهم البعض في طاقاتهم وخبراتهم وتجاربهم، لتتحقق القوّة للمجتمع، والّتي هي مزيج من هذه القوى.
ـ لذلك، جعل الإسلام أسس العلاقة في المجتمع قائمةً على الاحترام، بحيث يشعر الإنسان بأنّه فردٌ يَحترم الآخرون خصوصياته الذاتية، ومشاعره، وظروفه، ونقاط ضعفه، ليستطيع التفاعل معهم بشكل إيجابي، ويشعر بأنّ المجتمع مخلصٌ له، فيزيده ذلك إخلاصاً لمجتمعه.
ـ وفي القرآن الكريم عدّة تفاصيل لتحقيق مبدأ الاحترام الاجتماعي، ومن بين ذلك رفضُ السخرية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ)[الحجرات:11]. والتي يعاني منها مجتمعنا بشكل كبير، حتى في الوسط المتدين.
ـ وأسباب السخرية عديدة، من بينها:
1ـ عقدة الحقارة التي يعيشها الإنسان، فيحاول التنفيس عنها بالسخرية من الآخرين، تعويضاً لما يعاني منه.
2ـ محاولة لفت الانتباه إلى نواقص الآخرين، إشغالاً للناس عن نواقصه.
3ـ التعوّد نتيجة التربية الخاطئة أو البيئة المحيطة التي جعلت من السخرية عادةً من العادات السلبية.
4ـ العُجُب والكِبر وانتفاخ الشخصية، فيسخر من الآخرين وهو يعيش الزهو الذاتي عند المقارنة بينه وبينهم.
ـ والآية السابقة تنبّه إلى نقطة مهمة، وهي: ألا تحتمل الخطأ في تقييمك للآخر، التقييم الذي دفعك للتركيز على نقاط الضعف عنده لتسخر منه؟
ـ فلو كان الآخر يتمتع بطيبة القلب أو بالتواضع مثلاً، وهو ما لم تكتشفه، أو لم تهتم به.. فإن هذه الخصلة لربما كانت كفيلة بأن تجعله خيراً منك عند الله، ويتفوَّق بها عليك في كل ما تمتاز به ظاهرياً من مُلك وصورةٍ وجاه.
ـ والنتيجة هي أن الساخر من الآخر قد أخطأ التقييم.. كما أنه قد فضح نفسه بكونه إما يعاني من عقدة حقارة، أو أنه كتلة من النواقص التي يخاف أن تنفضح، وإما أنه كشف عن أسرةٍ أو بيئة سيئة قد عاش فيها، وإما أنه يعاني من العجُب والكِبر وانتفاخ الشخصية، فأشبه بذلك إبليس الذي تكبَّر على آدم وسخِر من أصله وحذّر أمير المؤمنين(ع) من الوقوع في شِراكه حيث قال: (فَاعْتَبِروا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ، وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَة، لاَ يُدْرَى أمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الاْخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَة وَاحِدَة... فَاحْذَرُوا عَدُوَّ اللهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ، وَأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ، وَأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ. فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعِيدِ، وَأَغْرَقَ لَكُم بِالنَّزْعِ الشَّدِيدِ، وَرَمَاكُمْ مِنْ مَكَان قَرِيب).