الوحدة في نداءات الصَّدرَيْن

شكّلت شخصيّة الإمام الشَّهيد السيّد محمَّد باقر الصدر (ت1400هـ) رحمه الله مِفصلاً هاماً في تاريخ الحركة الإسلامية في العراق الحديث، وقدّمت هذه الشخصية الكثير من العطاءات والتضحيات، في سبيل رفع مستوى وعي الأمَّة الإسلاميَّة. ولم يكن الشَّهيد الصَّدر حالة فكريّة تختصّ بالشَّعب العراقيّ وحده، بل كان مدرسة رائدة ترفد الأمة الإسلامية ككل بنشاطاتها وإبداعاتها.
ولقد كان الشَّهيد الصّدر حريصاً على إطلاق خطاباته التي مثّلت الحاضن الرّوحي والحضاري للشّعب العراقي، ففي نداءٍ له إلى الشّعب العراقي يقول: (أؤكّد لك يا شعب آبائي وأجدادي، أني معك في أعماقك، ولن أتخلى عنك في محنتك، وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك).
وفي نداءٍ آخر، يعبِّر سماحته عن محنة الشَّعب العظيمة في ظل حكم حزب البعث البائد، وأنَّ الجماهير الأبيّة هي دوماً أقوى بحقوقها من الطغاة، وأنها لا يمكن أن تستسلم للظّلم، مهما امتدّ أجله، ويقول: (إني عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمّة، وبذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حيث دافعت عن الرّسالة التي توحّدهم جميعاً، وعن العقيدة الّتي تهمّهم جميعاً، ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع).
ويتابع: (وأريد أن أقولها لكم يا أبناء عليّ والحسين، وأبناء أبي بكر وعمر، إنَّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السنّي، إنَّ الحكم السني الذي مثَّله الخلفاء الرّاشدون، والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليّ السيف للدّفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردّة، تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر، وكلّنا نحارب تحت راية الإسلام، مهما كان لونها المذهبي.. إني أعاهدكم بأني لكم جميعاً، ومن أجلكم جميعاً، وإنكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل، فلتتوحَّد كلمتكم، ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام، ومن أجل إنقاذ العراق).
السيد المغيَّب:
وهكذا كان السيد المغَيَّب الإمام موسى الصدر، والذي عمل في لبنان وخارجه على تأصيل التقريب الفكري والثقافي بين المسلمين وتحقيق وحدتهم السياسية والاجتماعية، وله رسالة في غاية الأهمية أرسلها إلى سماحة مفتي جمهورية لبنان آنذاك الشيخ حسن خالدوفيها: (في هذه الأيام العصيبة التي تلفّ الأمة بالقلق، وبين يدّي هذه الأخطار المحدِقة التي تجعل المنطقة كلها حاضرها ومستقبلها في مضرب الطوفان: تبدو لنا بوضوح أكثر فأكثر حاجة المسلمين الملحة إلى وحدة شاملة متلاحمة لجمع ما تفرّق من صفوفهم وتوحيد ما تبعثر من جهودهم، وذلك حتى تتبين لهم مواقع أقدامهم وتعود الثقة إلى أنفسهم وهم في طريقهم إلى المستقبل وأمام بناء تاريخهم وأداء مسؤولياتهم. إنّ جمع الكلمة وتوحيد الطاقات وتنمية الكفاءات ليس موجبها كونها من أشرف الغايات الدينية ووصية نبينا العظيم فحسب، ولكنها أيضاً تتصل بوجودنا وكرامتنا وبمقوّمات وجود أجيالنا، إنها مسألة حياتية. وحدة الكلمة هذه لا ينبغي أن تظل شعاراً مرفوعاً أو كلمة مكتوبة، بل يجب أن تكون ومضة الفكر وخفقة القلب ودرب السلوك، إنها البُعد الأساسي للمستقبل. ولا يكون ذلك إلا ببذل عناية فكرية خارقة وإيلائها اهتماماً وجدانياً خاصاً والسعي والسهر من أجل تكريسها، عندئذٍ تصبح الوحدة حقيقة قائمة ونموذجاً عليه يحتذى، ومثلاً به يقتدى).