خطبة الجمعة 10 ذوالقعدة 1435 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: سيرة الإمام الرضا


ـ في هذه الأيام نلتقي بمناسبة ذكرى ولادة الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (ع) الإمام علي بن موسى الرضا، ونتوقف قليلاً مع سيرته المباركة.
ـ في سنة 148 هـ كانت ولادته، وفي سنة 183 هـ كان استشهاد إمامنا موسى بن جعفر، وفي سنة 203هـ استشهد الرضا، وهذا يعني أنه تسلم مسؤولية الإمامة وهو في الخامسة والثلاثين، واستمرت إمامتُه 20 سنة.
ـ فترة الرحيل إلى مرو بأمر المأمون كانت في حدود السنتين فقط، وهي الفترة التي عادةً ما يتم التركيز عليها، ولكن في البين 18 سنة من إمامته قضاها (ع) في المدينة المنورة.
ـ وللأسف فإن المؤرخين عادةً ما يُهملون ذكر السيرة الاجتماعية والعلمية، ويركّزون على السيرة المتعلقة بالحكم، ولذا تجد أن الأضواء تُسلَّط على سيرة الإمام المجتبى(ع) في فترة حكمه وأحداث الصلح، ثم يختفي من المشهد التاريخي إلا ما ندر.
ـ وهكذا الأمر بالنسبة إلى الإمام الحسين(ع) حيث لا نكاد نعرف من سيرته شيئاً طوال حياته، إلا الأشهر القليلة التي سبقت نهضته المباركة والتي كانت ضد الحكم الأموي.
ـ ويتكرر ذات الأمر بشأن سيرة الإمام الرضا(ع)، فلا نعلم عنه إلا النادر، ثم نجد أمامنا سيلاً من المعلومات والأخبار التي تخص فترة ولاية العهد.
ـ ما أريد أن أقوله، أن هذا لا يعني أن الإمام لم يكن له دور إلا في فترة الحكم، بل إن وجوده في هذا الموقع السياسي المتقدم ـ مع كل الجهود المبذولة لإقصاء أهل البيت عن ذلك ـ لم يأتِ من فراغ، بل و يدل على الدور الفاعل والموقع الاجتماعي المتقدم الذي حازه بإخلاصه وعلمه وأخلاقه وعمله الصالح.
ـ وهذا ما انعكس في رسالة المأمون إلى العباسيين حيث أكّد على أنه ما قدّم الإمام في هذا الموقع: (إلاّ مستبصراً في أمره، عالماً بأنّه لم يبق أحدٌ على ظهرها أبيَن فضلاً، ولا أظهر عفّة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، و لا أطلق نفساً، ولا أرضى في الخاصّة والعامّة، ولا أشدّ في ذات الله منه، وإنّ البيعة له لموافِقةٌ لرضى الربّ).
ـ وللأسف أن تضيع تفاصيل تلك الفترة من سيرته من ذاكرة التاريخ، وتبقى كلمات الذين لخّصوا انطباعاتهم عن الإمام حين عاصروه وعرفوه عن قرب، ، ومنهم كاتب العراق في عصره إبراهيم بن العباس الصولي (ت243 هـ) وكون الرجل كاتباً في ذلك العهد يعني أنه مؤلِّف وأديب وإعلامي يعمل في بلاط الخليفة، وقد يرتقي رسمياً ليكون رئيساً للوزراء بسبب ذلك.
ـ قال في شأن الرضا(ع): (ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا، وشهدتُ منه ما لم أشاهد من أحد، وما رأيته جفا أحداً بكلام قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحداً عن حاجةٍ قدَر عليها، ولا مدَّ رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكى بين يدي جليس له قط، ولا رأيتُه يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه، بل كان ضحكه التبسم، وكان إذا خلا ونُصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البوَّاب والسائس، وكان قليلَ النوم بالليل كثيرَ الصوم، لا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول أن ذلك يعدل صيام الدهر، وكان كثيرَ المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه).
ـ وأخيراً فإنَّه من غير الإنصاف ونحن نستعرض سيرته ومعالم شخصيتِه عليه السلام أن نؤطِّرها في إطار صاحبها، ونجعلها مجرد مناقبٍ نفتخر بها، فإنَّ من مسؤوليتنا أن نجعلها نبراس هداية لنا وللآخرين، تماماً كما قال الصادق(ع): (ما أنصفتمونا أن كُلِّفنا بالعمل، ووُضع عنكم). السلام عليكم أئمةَ الهدى ومعدِنَ العلم وأهلَ بيت الوحي. اللهم ارزقنا في الدنيا اتباعهم وفي الآخرة شفاعتهم إنك سميع مجيب.