موقف علماء المذاهب الإسلامية تجاه التقريب بين المذاهب

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران:103].
إن المجتمع ليقوي و يعلو شأنه عندما تسود روح الوحدة و التلاحم و التعاطف بين أفراده. و إن أمتنا الإسلامية ـ اليوم ـ بأمس الحاجة إلي هذه الوحدة و التلاحم. و لقد ظل تحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية موضع اهتمام علماء الدين من أهل السنة و الشيعة. وبين يدي القارئ آراء و فتاوي علماء العالم الإسلامي و قادته و مفکريه حول التقريب بين المذاهب و تحقيق الوحدة الإسلامية، بالإضافة إلي معيار الإسلام و الکفر.
موقف علماء مذاهب أهل السنة:
الشيخ عبد المجيد سليم (ت1954) (رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف)
«لقد أدرکنا في الأزهر علي أيام طلبنا للعلم، عهد الانقسام و التعصب للمذاهب، و لکن الله أراد أن نحيا حتي نشهد زوال هذا العهد، و تطهُّر الأزهر من أوبائه و أوضاره... فإذا کان الله قد برأ المسلمين من هذه النعرة المذهبية التي کانت تسيطر عليهم إلي عهد قريب في أمر الفقه الإسلامي، فإنا لنرجو أن يزيل ما بقي بين طوائف المسلمين من فرقة و نزاع في الأمور التي يقوم عليها برهان قاطع مفيد العلم، حتّي يعودوا کما کانوا أمة واحدة».

الشيخ محمود شلتوت (ت1963) (شيخ الأزهر الشريف)
«إن الإسلام لا يوجب علي أحد من أتباعه اتّباع مذهب معين، بل نقول، إنّ لکل مسلم الحقّ في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، و المدوَّنة أحکامها في کتبها الخاصة، و لمن قلّد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلي غيره - أي مذهب کان- و لا حرج عليه في شيء من ذلك. إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً کسائر مذاهب أهل السنة، فينبغي للمسملين أن يعرفوا ذلك، و أن يتخلَّصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما کان دين الله و ما کانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة علي مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالي، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر و الإجتهاد تقليدهم و العمل بما يقررونه في فقههم، و لا فرق في ذلك بين العبادات و المعاملات».

الشيخ جاد الحق علي جاد الحق(ت1996) (شيخ الأزهر الشريف)
«والأزهر ينكر علي هؤلاء- الذين يجاهدون في غير عدو- صفتهم، فليس للمسلم الشيعي أن يطلب إلي المسلم السني ترك مذهبه الشافعي أو الحنفي أو المالكي أو الحنبلي، ليتابعه علي المذهب الشيعي، و ليس للسني - أيضاً- ذلك الصنيع، و ما دام الكل من المسلمين فعليهم أن يكونوا إخوة و أن يعملوا علي نشر الإسلام بين غير المسلمين، و يكفّوا عن توسيع شقة الخلاف و الفرقة بين صفوف الأمة و عن اتخاذ المذاهب الإسلامية الفقهية مذاهب سياسية للدول، فإن المسلمين الأوائل لم يفعلوا ذلك، لأنه يتناقض مع قوله تعالي: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ».

الدکتور الشيخ علي جمعة (مفتي جمهورية مصر العربية)
«و هذه المذاهب الثمانية هي: المالكية، و الحنفية، و الحنابلة، و الشافعية، و هي التي يطلق عليها مذاهب أهل السنة، و الجعفرية، و الزيدية، و الإباضية، و الظاهرية، و هي التي يطلق عليها المذاهب غير السنة. و إذا نظرنا إلي هذه المذاهب في فقهها و أصول فقهها رأينا أن الخلاف بينها إنما هو في نطاق المضمون، و لم يقع بينها خلاف في المقطوع به الذي يكفر منكره، و الحمد لله رب العالمين. و علي ذلك فإنه من يتبع أي واحد من المذاهب الإسلامية أو يمارس في حياته شيئاً منها فهو مسلم صحيح الإسلام، و هذا يتفق مع أمر الله و الرسول صلي الله عليه و سلم لنا بأن نعتصم بحبل الله و أن نكون أمة واحدة و ألّا نختلف فتختلف قلوبنا».

الشيخ سعيد عبد الحفيظ الحجاوي (المفتي العام للمملکة الأردنية الهاشمية)
«.. أما الجعفرية فإنهم يؤمنون بأرکان الإيمان، و يحترمون أرکان الإسلام، و يلتقون مع بقية المذاهب في معظم الفروع، قد تلقي أئمة السنة عن أئمة الشيعة کما تلقي أئمة الشيعه عن أئمة السنة مما يؤكد أنهم أمة مسلمة واحدة. و اذا کان هناك من اختلافات يسعي بعض الناس علي تعميقها فإنها تتعلق بأمور تاريخية، ما أحرانا في هذه الأيام أن نتجاوزها و نحقق وحدة الأمة، و نقوي من تكاتفها في وجه ما تتعرض له من تحديات».

موقف علماء مذهب الإمامية تجاه المذاهب الأخري:
الإمام الخميني (ت1989): « نحن و المسلمين من أهل السنة کيان واحد. [نحن] کيان واحد لأننا مسلمون و إخوة. إذا قال أحدٌ کلاماً يفرّقنا، فاعلموا أنه إما جاهل أو هو ممن يعمدون إلي بث الخلاف بين صفوف المسلمين. إن مسألة الشيعة و السنة ليست مطروحة بأي حال. نحن کلنا إخوة».
«... نحن کلنا إخوة و کلنا في صف واحد. إلا أن علماءکم قد أفتوا بشيء و أنتم قلّدتم علماءکم، فأصبحتم أنتم حنفيين، کما أن جماعة أخري عملوا بفتوي الشافعي [فأصبحوا شافعيين]، و جماعة أخري عملوا بفتوي سيدنا الصادق فأصبحوا شيعة. هذه [الأمور] لاتسبب الخلاف. لاينبغي لنا أن يكون بيننا خلاف أو تضادّ. کلنا إخوة. علي الإخوة من الشيعة و السنة أن يجتنبوا أي خلاف فيما بينهم. إن الخلاف فيما بيننا لايخدم اليوم إلا مصالح أولئك الذين لايؤمنون بالمذهب الشيعي و لا بالمذهب الحنفي أو غيره من المذاهب. إنهم لا يريدون وجوداً لهذا و لا لذلك. و يرون أن السبيل هو أن يثيروا الخلاف بيننا و بينكم. علينا أن ننتبه إلي حقيقة أننا کلنا مسلمون، و کلنا أهل القرآن و أهل التوحيد، و أن علينا أن نعمل جاهدين و نخدم القرآن و التوحيد».

المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله: «للحديث عن الوحدة الإسلامية في حياة العاملين للإسلام، طعم الحلم الكبير، وذلك بالنظر إلى المشاكل الكثيرة التي يُعانيها المسلمون... وقد استطاع هذا الواقع أن يبعد الإسلام عن حركة الحياة، وأن يُخضع المسلمين لقوى الاستعمار والاستكبار، التي استخدمت نقطة الضعف هذه، فحوَّلت البلاد الإسلامية إلى ما يشبه قطع الشطرنج التي تلعب بها كما تشاء، وتحرّكها كما تريد، وسيطرت على كلّ مقدرات المسلمين، وأبعدت حركة الحكم والتشريع في حياتهم عن الأسس الإسلامية، وجعلتهم يعيشون إسلامهم ضمن دوائر تاريخية وعملية ضيّقة، يختزنون في داخلها كلّ ما يملكون من حساسيات وأحقاد وسلبيات، وهيأت لـهم ـ في كلّ مرحلة من مراحل نموهم ـ عوامل التفتيت والضعف والتقسيم، وقادتهم إلى حروب طائفية لا يملكون معها إلا أدوات القتل والتدمير لبعضهم البعض. وهذا هو الذي دفع الواعين في الأمّة، إلى طرح شعار الوحدة الإسلامية، كهدف إسلامي كبير يعملون له بأساليب متنوعة... نريد لهذه المؤتمرات الإسلامية الوحدوية، أن تتحرك في الساحة من أجل التغيير العملي، من خلال الخطوط المتحركة فـي الواقـع بالوسائـل الواقعيـة، ولا تكون ـ كأمثـالـها ـ مجـرد اجتماعات للمزيد من الخطابات الحماسيـة أو الأبحاث التجريدية والقرارات المتنوعة، التي لا تعني شيئاً لواضعيها وسامعيها، حتى لا يكون الجهد الكبير ضائعاً».

المرجع الشيخ ناصر مکارم الشيرازي: « لقد قلنا مراراً أن تحقيق الوحدة بين المسلمين و التقريب بين المذاهب الإسلامية من أهم الأمور في زماننا المعاصر و في الظروف الراهنة خاصة. لذلك، لا يجوز شرعاً أي إساءة إلي مقدسات الآخرين. علي المسلمين ـ سواء أکانوا من الشيعة أو من أهل السنة ـ أن يكونوا علي حذر حتي لا يقعوا في شرك أعداء الإسلام، من خلال إثارة فتنة مذهبية. إن العمليات الانتحارية التي تؤدي إلي ِإراقة دماء الأبرياء، تعدّ من أکبر الكبائر و تشكّل مصداقاً بارزا للفساد في الأرض، و تسبّب الخلود في نار الجحيم، کما أنها تحوّل وجه الإسلام، الذي هو دين الرحمة و الرأفة، إلي وجه عنيف مرفوض. نسأل الله تعالي أن يهدي جميع الخاطئين و الضالّين».