الإمام الصادق والنهج المنفتح


عن معاوية بن وهب أنه قال: (قلت له) أي للإمام جعفر الصادق عليه السلام (كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟) أي ليسوا من المسلمين الشيعة (فقال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الأمانة إليهم) أي أنهم يتعاملون بكل عقل مفتوح وقلب مفتوح، وبكل ما ينفتح به المسلم على المسلم الآخر، بالأمانة، والتعامل معهم على أساس الخط الإسلامي الذي يجمع بينكم وبينهم، فلا تتعصبوا وتقاطعوا الناس الآخرين، ولكن انفتحوا من أجل أن تتعاونوا معهم.
هذا أدب جعفر:
وفي رواية أخرى عن أبي زيد الشحّام قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجّل، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلى الله عليه وآله. أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط. صِلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري، فيسرني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر، والله، لحدثني أبي عليه السلام أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث. إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: مَن مثل فلان؟ إنه آدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث). فهل نحن كذلك؟!
دعاة صامتون:
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: (أن نفراً أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ويأخذون عنه، فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام وهم يختلفون إليه ويترددون عليه ويسمعون منه ويأخذون عنه. فلما حضرهم الانصراف وودعوه قال له بعضهم: أوصِنا يا بن رسول الله. فقال: أوصيكم بتقوى الله العظيم، والعمل بطاعته واجتناب معاصيه وأداء الأمانة لمن ائتمنكم وحسن الصحبة لمن صحبتموه وأن تكونوا لنا دعاة صامتين. فقالوا: يا بن رسول الله، وكيف ندعو إليكم ونحن صموت؟ قال: تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة الله، وتتناهون عما نهيناكم منه من ارتكاب محارم الله، وتعاملون الناس بالصدق والعدل، وتؤدون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطّلع الناس منكم إلا على خير، فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا هؤلاء الفلانية) أي الشيعة أو الجعفرية (رحم الله فلاناً) أي جعفر الصادق (ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه! وعَلِموا فضل ما كان عندنا، فسارَعوا إليه).
وهذا هو الخط الذي ينبغي لكل جهة اجتماعية أو سياسية أو دينية تريد للناس أن يثقوا بها أن تلتزم به، فتربي أصحابها على الأخلاق واحترام حقوق الناس وأداء حقوقهم، ليتحوّل هذا السلوك إلى دعاية متحركة من خلال القدوة، وهذا ما أراده الإمام الصادق عليه السلام لكل الذين ينتسبون للإسلام في خط أهل البيت عليهم السلام ويريده لكل المسلمين.
لا تبغّضونا إلى الناس:
ويتابع الإمام الصادق عليه السلام وصيته لشيعته فيقول: (أشهد على أبي محمد بن علي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته، لقد سمعته يقول: كان أولياؤنا وشيعتنا في ما مضى خير من كانوا فيه، إنَّ كان إمام مسجد في الحي كان منهم، وإن كان مؤذّن في القبيلة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان عالِم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم، فكونوا أنتم كذلك، حببونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم).
وفي توجيه آخر له لشيعته يقول: (ما أيسر ما رضي به الناس عنكم! كفُّ ألسنتكم عنهم) أي لا تسبوا وتلعنوا، حتى تستطيعوا أن تنفتحوا على واقع اجتماعي مميز يجذب الناس إليكم من خلال هذا الخط المستقيم فيكم.
إن أئمتنا عليهم السلام لا يأمروننا إلا بما يرفع مستوانا ويُدخلنا إلى قلب المجتمع لنكون قادته وهداته، فالولاية لأهل البيت ليست كلمة أو دمعة، ولكنها الخط المستقيم الذي يريدوننا أن نسير عليه في كل قضايانا.