الشباب والعنف : الشيخ علي حسن – برمنجهام

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي ان يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ، قَالَتْ احْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ان خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ، قَالَ انِّي أُرِيدُ ان أُنكِحَكَ احْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى ان تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَانْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ ان أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي ان شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (القصص: 27-22).
تحدثت في عدد سابق عن العلاقة بين القوة والعنف، وأن الاسلام يعتبر ان التفوق المادي أو الاعتباري لا يبيحان العدوان على الآخرين، وهو ما توافق مع العقل ومع فلسفات انسانية عديدة.

فلسفات تدعو للعنف

وفي المقابل تبنّى عدد من الفلاسفة الغربيين خلاف هذه الفكرة تماماً.. فأحد فلاسفة أوروبا (فريدرك نيتشه) قال ما مختصره: (أخلاق العبيد تتمثل في الصبر والحلم والتواضع وغيرها من وجوه الضعف والانحطاط، أما أخلاق السادة فتتمثل في الاعتزاز بالقوة واحتقار الضعف، واحترام القسوة والاستخفاف بالرحمة، وقهر المنافسين والسير على جثثهم في غير رفق ولا رحمة.. ان قيم العبيد هي التي أوجبت مساعدة الضعيف والمعتوه، وأقامت المستشفيات من أجلهم).
لاحظ كيف خلط بين القوة والعنف، وبين القوة واحتقار الضعيف، وبين الضعف وعمل الخير.. وقد تبنت الفاشية والنازية هذه الفلسفة الغريبة، وكانت ثمرتها حربا عالمية أزهقت أرواح الملايين. وهي أفكار نستهجنها في الوهلة الأولى، ولكن ألا يعيش كثير من شبابنا قناعات مشابهة، ولو على نطاق الممارسة؟

مظاهر غير أخلاقية

كثير مما يجري في المجمعات التجارية والتجمعات الشبابية في نهاية الأسبوع والأعياد والمناسبات وفي الشوارع لا يختلف عن هذا المنطق.. استعراض للقوة العضلية.. أو العددية.. أو المادية، وتحول عناصر القوة هذه لوسيلة للعدوان الجسدي عند أقل خطأ أو تحرّش أو نظرة حادة أو تلامس أكتاف أو حتى لمجرد لفت الانتباه.
فالبقاء للأقوى.. والجائزة للأقوى.. والضعيف لا مكان له.. وليس له الا الاحتقار.. ولذا فلا مكان للعفو والتسامح والحلم والتواضع.. لأن نصيب المتحلي بها هو السخرية والاستهزاء. وكم من جرائم قتل واعتداءات جسدية تقع بين الشباب لسبب تافه في نظرنا، بينما يعتبره الشاب طعناً في رجولته وقوّته! وهو على استعداد لتقبل النتيجة المتمثلة بالسجن أو خسارة مستقبله التعليمي أو الوظيفي أو دفع الغرامات المالية الكبيرة ويعتبرها في أجواء سكرة الشباب ثمناً منطقياً للحفاظ على صورة رجولته.

نتائج ورش العمل

قبل ثلاثة أشهر أقيمت ورشة عمل تحت عنوان (العنف في الشارع الكويتي) جاء فيها ان الكويت شهدت خلال 9 أشهر: 19 ألف جريمة، وبمعدل جريمة كل نصف ساعة.بالطبع هذا الرقم لا يمثل جرائم العنف فقط، ولكنها تمثل نسبة %35 من المجموع، وهي نسبة ليست بسيطة، وللشباب حصة الأسد منها.
في بداية شهر مارس نظَّم معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية ندوة بعنوان (العنف في المجتمع الكويتي) جاء فيها ان نسبة جرائم العنف زادت بنسبة %35 في فترة الأعياد الوطنية عن السنة الماضية.

لا تذبحوني

وسائل التواصل الاجتماعي تناقلت صورة شاب كتب على تي شيرته وهو يتمشى في أحد المولات (لا أحد يذبحني ترى أهلي يبوني) وهي عبارة قد تبدو مضحكة، ولكنها تحمل ما تحمله من دلالة سلبية على تنامي العنف بينهم تحت وطأة الشعور بالقوة مع غياب القيم الصحيحة لمفهوم القوة والتسامح وكظم الغيظ.

التشرميل

وليست الكويت وحدها التي تعاني من تنامي هذه الحالة، ففي المغرب ظهر أخيرا ما يُعرف بمصطلح (التّشرميل) ويُقصد به تعرُّض فتيان مسلّحين بالسّيوف والأسلحة البيضاء للناس، والاستيلاء على ما يملكونه ثم يقومون بعد ذلك بنشر صورِهم على موقع فيسبوك، وهم يُشهرون أسلحتهم وغنائمهم.. والمفارقة ان أعمار بعض «المُشرملين» لا تتعدّى الأربعة عشر ربيعاً. وقد ربط أحد المختصين والمهتمين بالتشرميل بينها وبين علاقة برغبة «البطولة» لدى الفتيان... لتصبح السرقة مِهنة واحترافاً تُظهِر الفتى في المواقع الاجتماعيّة بوصفه «بطلاً» أمام عائلته أو أقرانه، أو الفتيات.

رسالتان

ولدي هنا رسالتان، الأولى للأسرة التي تَراجع دورها التربوي بشكل كبير، في مقابل دور وسائل اللعب والمعلوماتية الحديثة، وفي كثير منها يكون العنف هو السمة البارزة، مع ارتباطه المباشر بالحب والعلاقة بين الجنسين، في مقابل ضياع معالم القيم الانسانية الا ما ندر، وبالتالي تأتي حتمية نهوض الأسرة من ركام مشاغلها المادية لتلتفت الى البناء القيمي لأبنائها الذين سلمتهم فريسة سهلة لشركات تصنيع الألعاب والأفلام التي لا تهدف سوى للربح المادي.
والرسالة الثانية للشباب: أيها الشاب العزيز.. ان النبي موسى عليه السلام في عنفوان شبابه وفي لحظة انفعال وكز المعتدي فقتله، وكانت أمامه بدائل أخرى تدفع عدوان ذلك المقتول، دون ان تعرّضه للملاحقة وخسارة البيئة التي وفّرها الله له منذ ان التُقِط من اليم وهو رضيع. لحظة واحدة، وتصرّف واحد قلب حياته رأساً على عقب، لولا عناية الله به والمهمة التي تنتظره لحمل الرسالة.. ولكنه عندما وظّف قوّته في الاتجاه الصحيح، فساعد الفتاتين لا لجذب انتباهِهما، بل حباً للخير، وقرن ذلك بالقيم الأخلاقية كالعفة والأمانة، انفتحت له أبواب الخير والرزق والأمان.