العيد : العلامة الشيخ محمد جواد مغنية

إن الأعياد لا تختص بأمة دون أمة، ولا بدين دون آخر، فنجدها جلية واضحة في تاريخ الأمم والأديان جميعاً. وتنقسم الأعياد إلى دينية وشعبية، وأعياد خاصة ليست بشعبية ولا دينية، بل هي في نظر الأديان بدعة وضلالة، وعند الشعوب سخف وجهالة، كالاحتفال بتتويج ملك ليس له أثر يذكر، ولا منقبة تشكر، والغبطة بمثل هذا العيد لا تتعدى المتوج وأسرته، فإذا زال النفوذ والسلطان، وجاءت الأعياد كانت عليهم عذاباً وحسرات...
ومهما يكن فإن الأعياد الدينية تختلف باختلاف البواعث والأسباب، فعيد الميلاد يرمز إلى المودة والرحمة والانسانية التي دعا إليها السيد المسيح، ومولد النبي العربي من الذكريات الخالدة التي لها أعظم الأثر في تاريخ الإنسانية، فقد كان مولده إيذانا بانتهاء عهد الجاهلية والاستبداد، وبزوغ عهد الحضارة والحرية.
والحكمة من عيد الهجرة النبوية أن يلتفت المسلمون إلى الماضي ليجددوا وحدتهم، ويعملوا يدا واحدة لأنفسهم لا لغيرهم، ويناضلوا بروح التضحية والاخلاص في سبيل مبادئهم القومية، وإرجاع مجدهم، وإحياء تراثهم، ويحرروا بلادهم وعقولهم من كل قيد يعيقهم عن السير في طريق الحرية والحياة وهذا العيدان المولد والهجرة لم يكونا معروفين في عهد الرسول، ولا في عهد خلفائه الراشدين، فالمولد لم يصبح عيداً مقرراً عند المسلمين إلا في القرن الثامن الهجري، وعيد الهجرة تقرر بالأمس في هذا القرن. والحقيقة أن هذين العيدين هما من الأعياد الشعبية عند المسلمين لا من الأعياد الدينية، ولذا لا تجوز فيهما صلاة العيد. أما عيد الأضحى والفطر فإنهما من الدين في الصميم، فقد ثبت أن النبي كان يحتفل بهما، ويحتفل معه المسلمون، ويصلون فيهما خلفه صلاة العيد.
وعيد الأضحى يهدف إلى توثيق آصرة القربى بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وديارهم ولغاتهم، ويذكرهم بأنهم أسرة واحدة ينتظم فيها مئات الملايين. وعيد الفطر تحية القيام بالواجب، حيث يجدر بالصائم الذي جاهد شهواته شهرا كاملا، وانتصرت قوى إيمانه وعقيدته على أهوائه وميوله أن يعيد عيد النصر والفوز، عيد انتصار النظام على الفوضى، والعقل على العاطفة، عيدا يبتهج فيه لتغلب الحق على الباطل، والمبدأ المقدس على المنافع الخاصة.
لقد كان الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى في عصر الإسلام الأول بسيطاً متواضعاً، كان النبي يوسع على عياله يوم العيد، ويأمر أصحابه بالتوسعة على عيالهم، وكان يغتسل ويتطيب ويلبس أجمل ثيابه، ويقول: إن الله جميل يحب الجمال، وقال الإمام جعفر الصادق في تفسير هذه الآية من سورة الأعراف (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) قال: إن معنى الآية تزينوا والبسوا أفخر ثيابكم في الجمعات والأعياد، وكلوا من طيبات ما أحل الله، ولا تأكلوا حراماً ولا باطلاً...
وفي أيام الأعياد تتجلى العواطف الزوجية والأبوية والأخوية بأجلى معانيها حتى عند المتشائمين المشككين الذين يعمون عن الأثمار والأزهار، ولا يرون إلا الحنظل والأشواك.