الهزيمة النفسية : الشيخ علي حسن

(قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّه وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة:249].
قد يخطط العدو القوي ويستخدم كل وسائلِ المكر وأسلحةِ المواجهة العسكرية والإعلامية والسياسية وغيرها، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن ما خطَّط له سيتحقق كما يريد، وأنه سيصل إلى النتائج التي يستهدفها.
نعم هذا متصوَّر بشكل كبير عندما تكون الفئة المؤمنة خاملة مستسلمة للواقع، تجتر آلامها دون أن تسعى لتغيير شئ من واقعها، وقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11]. وأما إذا أخذت هذه الفئة بأسباب النصر والقوة، فخطَّطت ونظَّمت صفوفها وعملت على الأرض، فإن الآية السابقة تؤكد على أنَّ قضية النصر والهزيمة ليست بالقلة والكثرة، بل هي بالإيمان والتخطيط والتنظيم، والأخذ بأسباب القوّة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7]. ومهما احتال العدو وخطَّط لإلحاق الهزيمة بالمؤمنين غدراً أو بالوسائل القذرة، فإنَّ الله سيعيد مكرَهم إلى نحورهم متى ما وجد الصدق عند المؤمنين: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
غزوة بدر الكبرى:
في هذه الغزوة كانت كل العوامل المادية على الأرض لصالح المشركين، من حيث العدد والعتاد والقوة والتجربة وغير ذلك، ثم تدخلت العنايات والرحمات الإلهية لنصر المسلمين، لما وجد الله عزوجل أنهم صادقين في نصرهم لله ولرسوله.
وقد كان عنصر الثقة مهماً جداً.. الثقة بالله ووعده، والثقة بالقيادة وصدقها وحكمتها، والثقة بالنفس. وهذا ما تمثل في كلمة المقداد بن الأسود حين استشار النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه قبيل المعركة فقال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاَللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا، إنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ، حَتَّى تَبْلُغَهُ).
وقد كانت هذه الكلمة الواعية المؤمنة ذات قيمة عليا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال أبو أيوب الأنصاري: (فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد).
حرب إعلامية ناجحة:
ولكن يبدو أن كل الذين لا يريدون الخير بهذه الأمة قد نجحوا اليوم من خلال الحرب الإعلامية في زعزعة الثقة بالله، والثقة بالقيادات المؤمنة العاملة في الساحات المختلفة، والثقة بالنفس، وفي تمزيقها، لنفشل قبل أن نبدأ، ولنستسلم إلى الواقع الذي يعمل عليه أعداؤنا تخطيطاً ومكراً وتنفيذاً، بل ولنتمنى الشر والدمار لبعضنا البعض حتى لو كان بيد العدو المشترك، نتيجة هذا الوضع البائس.
وللأسف أننا نعينُهم على أنفسنا، من خلال روحية الهزيمة التي نعيشها أحياناً، وننشرها في دوائرنا، ويعملون هم على ترسيخها إعلامياً.. لنتحول في النهاية إلى مجرد دمى تتلاعب بنا أهواؤهم كما يشاؤون.
مفاهيم منتَجة:
ومن أخطر آثار هذه الهزيمة النفسية أنها تعمل على إنتاج مفاهيم وأخلاقيات جديدة تتناقض والمفاهيم الإسلامية وأخلاقياتنا الأصيلة، وهذا ما أشار إليه الشهيد السيد محمد باقر الصدر: (أخلاقيّة الهزيمة التي تصطنعها الأُمّة لكي تبرّر هزيمتها تَنسجُ بالتدريج مفاهيم غير مفاهيمها الأُولى، وقيماً وأهدافاً ومُثُلاً غير القيم والمثل والأهداف الّتي كانت تتبنّاها في البداية، لكي تبرّر أخلاقيّاً ومنطقيّاً وفكريّاً الموقف الّذي تقفه).
وللإمام الخميني كلمة في الصميم حيث قال: (إن كثيراً من حكومات البلدان الإسلامية ونتيجة للانهزام النفسي أو لعمالتها تنفذ المخططات الخيانية والرغبات المشؤومة الاستعمارية المعادية للإسلام والتي تهدف إلى ترسيخ هذه الأوضاع المأساوية للمجتمع الإسلامي وإلى تسليط إسرائيل على أرواح وأموال وأراضي الأمة الإسلامية).
ولو كُتب له أن يعيش اليوم ليرى المشهد الماثل أمامنا في كل هذا العدوان التكفيري الممتد على أرض المسلمين، والذي يمثّل الأداة الاستعمارية التي من خلالها تتحقق مقولته السابقة، وكل هذا العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، لربما أضاف إلى ذلك ما تعيشه الشعوب المسلمة ـ وليس الحكومات فقط ـ من هزيمة نفسيةٍ واقتتالٍ داخلي واستسلامٍ وتبادلٍ للاتهامات بالعمالة والكفر والخروج من الملة يفتحُ الباب على مصراعيه للكيان الغاصب كي يمرر مشاريعه في المنطقة ويتسلط علينا كيفما شاء.
بطولات غزة:
فلنعمل على عدم الاستسلام لمشاعر الهزيمة والضعف أمام قوى الاستكبار ومخططات الصهيونية العالمية، ولنتذكر دائماً أنه ما دامت هناك ثلة مؤمنة مخلصة واعية وعاملة ومجاهدة، ما دامت هناك سواعد مؤمنة من أهل السنة تحمل السلاح الذي صنعته لهم أيدي إخوتهم من الشيعة لمواجهة العدو المشترك، فسيكون الله بالمرصاد لمكر الأعداء، وستتدخل يدُ الغيب لتردَّ هذا المكر إلى نحورهم من حيث لا يعلمون.
ولنعمل على أن تكون الصورة التي تتجلى فيها وحدة المسلمين أمامَ عدوِّهم هي الصورة التي ننشرها ونرسخها، ولنكن كما قال تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَأُمْلِي لَهُم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).