قوة الغضب

تكمن في الإنسان مجموعة من القوى التي أودعها الله سبحانه فيه، فهناك القوة العقلية، ويعبر عنها في بعض كتب الأخلاق عند المسلمين بـ (القوة الناطقة): هذه القوة من شأنها أن تدرك الحسن من القبيح، وتميز الخير من الشر، ثم تأمر بفعل الحسن منها وترك القبيح.
وهناك القوة الشهوانية (أو الشهوية): وهي القوة التي يطلب بها الإنسان المنفعة لنفسه، من قبيل المأكل والمشرب والجنس وغير ذلك.
وهناك أيضاً القوة الغضبية: وهي التي يدفع بها الإنسان الأخطار والأذى عن نفسه وعن الأشخاص و الأشياء التي تعنيه ويهتم لأمرها.
القوى في اتجاهين:
ومن الواضح أن القوة الشهوية لو أُطلق لها العنان، فإنها ستدفع بصاحبها لتلبية رغباته من دون مراعاة لمعايير معينة كالحلال والحرام، وحُسن الفعل وقبحه.
وهكذا فإن القوة الغضبية يمكن توظيفها في الاتجاه الإيجابي دفاعاً عن النفس والمال والعِرض والدين والوطن، كما يمكن أن تكون منفلتة يعتدي من خلالها الإنسان على أقرب الناس إليه في لحظة استجابة لها.
ويأتي هنا دور الفطرة الأخلاقية والعقل والتقوى والقانون والتربية في ردع الإنسان عن توجيه قوته الغضبية في المحل الممنوع.
وهو ما نجده ماثلاً في قصة الأخوين هابيل وقابيل: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)[المائدة:27-28].
حظ عظيم:
وإذا وُفِّق الإنسان ليكون قادراً على السيطرة على قوته الغضبية فقد وُفِّق لخير عظيم، وقد قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت:34-35].
أي أن هذا الإنسان يمتلك حظاً وافراً من الإيمان والوعي والإنسانية النابضة بكل معاني الخير والإحسان.
تدابير شرعية وأخلاقية:
ونجد في تعاليم الإسلام الشرعية والأخلاقية عدة تدابير تعين الفرد على ضبط قوته الغضبية، ففي فترة الإحرام مثلاً نجد أن من بين المحرمات: حمل السلاح وإخراج الدم والسب والجدال وقتل هوام الجسد، وكلها تدرّب الإنسان على ضبط قوته الغضبية.
وهكذا نجد أن من الغايات الفرعية للصوم ضبط النفس، حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيّها الناس من حَسَّن منكم في هذا الشهر خُلُقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاَقدام. ومن خفَّفَ في هذا الشهر عما ملكت يمينُه، خفَّف الله عليه حسابه.‏ ومن كفَّ فيه شرَّه كف الله عنه غضبَه يوم يلقاه).
ومن هنا اعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا قيمة لصيام الإنسان الذي لم يفلح في ضبط قوته الغضبية. ففي كتاب الحسين بن سعيد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: (سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأةً تسابُّ جاريةً لها وهي صائمةٌ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطعامٍ فقال لها: كلي. فقالت: أنا صائمةٌ يا رسول الله، فقال: كيف تكونين صائمةً وقد سببت جاريتك؟ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب، وإنما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش. من الفعل والقول يفطرُ الصائم. ما أقلّ الصوّام وأكثر الجوّاع).
قبول الصيام:
أحياناً يتساءل الإنسان في نفسه: هل صيامي مقبول عند الله؟ الإمام محمد الباقر عليه السلام قدم لنا وسيلة بسيطة لتقييم النفس قال: (إذا أردتَ أن تعرف أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله عزّ وجل، ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبّك، وإذا كان يُبغض أهلَ طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع مَنْ أحبّ).
وهكذا إذا أردت أن تعرف أن صيامك مقبول، أم أنه لم يتجاوز حد الجوع والعطش، فعليك أن تستعمل ذات الطريقة السابقة، انظر إلى نفسك، إلى قلبك وأخلاقك وسلوكك وتصرفاتك وستكتشف قيمةَ صيامك، فإن الله لم يشرِّع الصيام لتفلت أعصابُنا من زمامها، ولكنه أمرنا بالصيام لنحلم ونكظم غيظَنا ونعفو ونعيش روحية التسامح والمحبة للناس.