خطبة الجمعة 14 رمضان - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : حليم أهل البيت


ـ (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)[هود:74-75]. امتدح الله خليله إبراهيم(ع) في هذه الآية بأنه حليم.
ـ ففي مقابل كل الإساءات التي صدرت منهم، وتجاه كل المعاصي التي كانوا يرتكبونها، كان يرى أن باب الأمل في التأثير عليهم وهدايتهم مفتوح، وتمنى لو تأجل موضوع العذاب إلى حين، فقد كان يمتلك قلباً كبيراً، فكان الحليم الذي لا يسمح لقواه الغضبية وحب الانتقام بأن يسيطر عليه، وكان أواهاً عظيم التأثر وهو يرى الناس في ضياع وانحراف.
ـ وهكذا كان إمامُنا الحسن المجتبى عليه السلام صاحبَ قلب كبير، لا تُكدِّر صفوَه إساءات المسيئين مهما بلغت، ولو كانت من أقرب الناس وأحبهم إليه، فضلاً عن أبعد الناس وأكثرهم بغضاً له.
ـ ومن هنا عُرف بأنه حليمُ أهل البيت، وكانت هذه الصفة من أبرز صفاته، حتى اعترف له بها أعداؤه.
ـ بعد الصلح وُوجِه الإمام بكلام عنيف، فعن يوسف بن مازن الراسبي أنه: (لما صالح الحسن بن علي عليه ‌السلام عُذِل (لامه الناس) وقيل له: يا مُذلَّ المؤمنين و مُسوِّدَ الوجوه)!
ـ بهذه الجرأة والإساءة تحدثوا إلى سبط النبي وريحانته، إلى سيد شباب أهل الجنة، وكان يملك أن يُطلِق العنان لغضبه كي ينتقم لنفسه، ولكنه استوعب الموقف بحلمه، فما عدا أن بيّن لهم الحكمة من الصلح.
ـ وعن سفيان بن أبي ليلى/الليل قال: (أتيت الحسن بن علي عليهما‌ السلام حين بايع معاوية فوجدته بفِناءِ داره وعندَه رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، قال: وعليك السلام يا سفيان، انزل. فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: ما جرَّ هذا منك إلينا؟ فقلت : أنت والله بأبي أنت وأمي، أذللتَ رقابَنا...).
ـ ألم يكن يملك الإمام أن يهينه انتقاماً؟ أم يكن يملك أن يسلِّط على الرجل أولئك النفر الذين كانوا معه؟
ـ علينا أن نتعلم من الإمام كيف نتحكم في الاستفزازات التي تواجهنا، لا أن نكتفي بتمجيد الإمام وذكر مآثره.
ـ روى المبرد وابن عائشة: (أن شامياً رآه راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه‌ السلام فسلم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك) لو استرضيتنا استرضيناك (ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنياك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رَحلَك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعودَ عليك، لأن لنا موضعاً رحباً و جاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: أشهد أنك خليفةُ الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنتَ أنت وأبوك أبغضَ خلق الله إليّ، والآن أنت أحب خلق الله إليّ. وحوّل إليه ،
وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم).
ـ لقد علَّمنا أهل البيت عليهم السلام ألا ننزلق في حرب الإهانات والشتائم والسباب، بل أرادوا لنا أن نتمسك بقيم الإسلام العظيمة، وإذا أردنا أن نكون في موقع المدافعين عنهم، حباً لهم، فلابد أن نتبع هديَهم، لأن الحبَّ اتباعٌ واقتداء. وقد امتلأت اليوم القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواع الشتائم والإهانات، فلا تسمحوا لأحد بأن يستفزكم، بل كونوا كإمامكم الحسن الذي تفاخرون بالانتماء إلى مدرسته العظيمة.. كونوا الحلماء الذين تتحكم عقولهم في أقوالهم وأفعالهم.. واجعلوا من صيامكم وبركات رمضانكم هذا معيناً لكم في الصبر على الأذى، تقرباً إلى الله تعالى وحفاظاً على الإسلام الذي لم يبق من حقيقته عند الناس إلا القليل.