خطبة الجمعة 7 رمضان - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : النفاق السياسي


ـ النفاق من أسوأ الخصال التي يمكن أن يُتطبع بها... قد يكون لك خصم أو عدو يقاتلك، ولكنك لربما تحترمه لأنه لا يُخادِع ولا يستخدم الوسائل غير المشروعة، وهو واضح في موقفه.
ـ أما المنافق، فلا يمكن أن تكنَّ له أي احترام، لأنه أساساً لم يحترم نفسَه عندما أخفى نواياه العدوانية تجاهك، أو مشاعرَه السلبية نحوك، أو مشاريعَه للإضرار بك.
ـ والنفاق لا يقتصر على الدائرة الدينية، وإن كان الحديث في القرآن الكريم منصبّاً في هذا الاتجاه، باعتبار أنه يمثل تحدياً كبيراً للجماعة المؤمنة على عهد النبي(ص) وما بعد ذلك.
ـ فهناك بالإضافة إلى النفاق الديني، نفاق اجتماعي، ونفاق سياسي.
ـ وكما تحدثت النصوص الدينية عن النوع الأول، تحدثت عن النوعين الآخرين.
ـ ولكن لربما مُيِّز بين النفاق الديني وبين الصور الأخرى من النفاق على عهد النبي(ص) بالتسمية، حيث نجد عنوان: (ذي الوجهين) وعنوان (ذي اللسانين) للتعبير عن ذلك.
ـ في الحديث النبوي: (إنَّ مِن شر الناس عند الله عز وجل يوم القيامة ذا الوجهين).
ـ وعن علي(ع) أن النبي(ص) خطب فكان في ما قال: (بئس العبدُ له وجهان، يُقبِل بوجه، ويُدبِر بوجه. إن أوتي أخوه المسلم خيراً، حسَده، وإن ابتُلي خذله).
ـ وأما في الخبر التالي عن الصادق(ع) فنجد أن صاحب هذه الخصلة يُعبَّر صراحةً عن سلوكه هذا بالنفاق: (إياك والنفاق، فإن ذا الوجهين لا يكون وجيهاً عندَ الله).
ـ تأتي في أيام الانتخابات مثلاً، لتجد كل صور النفاق الاجتماعي والسياسي حاضرة بقوة، عند المرشحين وعند الناخبين وعند الكتل السياسية.
ـ وأكثر الناس على دراية بهذا النفاق ويساهمون بنحوٍ أو بآخر فيه، والنتيجة هي الكثير من المعطيات السلبية لمجلس الأمة، مما يشتكي منه نفس المشاركين في عملية النفاق.
ـ وعندما تستعرض ما تثيره بعض الأحزاب وبعض الكيانات الدينية وبعض الدول من المطالبة بالحريات، والعمل بالتعددية في إدارة العمل السياسي، وهي في ذات الوقت لا تعرف للتعددية طريقاً في منهجها ومؤسساتها، فهذا نفاق سياسي.
ـ وعندما تستعرض سياسة الغرب تجاه المنطقة، تجد النفاق السياسي والكيل بمكيالين وبأكثر الصور سماجةً.
ـ عندما أُسِر الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) قبل سنوات في عمليات عسكرية عدوانية للقوات الإسرائيلية على غزة، قامت قيامة الغرب ولم تَقعد، وتحولت قضيته إلى قضية دولية كبرى، وشُغلت وزارات خارجية الدول المنافقة بأمره، وملأت الآلة الإعلامية الدنيا عويلاً إزاء مصيره وغيابه عن أحضان عائلته!
ـ ثم شُنَّت حرب بُرِّرَت، وبُرِّر فيها استخدام أصنافٍ من وسائل القتل الجماعي المحرمة دولياً، واتُّخذت إجراءات عقابية بالجملة على المستوى الدولي، ولم تهدأ تلك الماكنة إلا بعد عقد صفقة تبادل الأسرى.
ـ وفي السودان، أثيرت قضية المرأة المرتدة عن الإسلام، وتصدرت قضيتُها عناوين الأخبار، وأصبحت قضية رأي عام دولي، إلى أن أُلغي الحكم الصادر بحقها، ومازالوا يشغلون العالم بقضية هجرتها إلى أمريكا.
ـ كل ذلك تحت عنوان حقوق الإنسان، و كفالة الحريات، وما إلى ذلك...
ـ وفي المقابل تجد المماطلة الواضحة بشأن ما يجري في سوريا من جرائم تُرتكب يومياً وطالت الملايين من المدنيين العزَّل، بل وتساهم بعض الأطراف الدولية بصورة أو بأخرى في زيادة أُوار الحرب المستعرة هناك.
ـ وفي العراق الذي يتعرض شعبُه حالياً إلى عدوان واحتلال من قبل الإرهابيين، وتُرتَكب فيه الجرائم البشعة بحق المدنيين، بالإضافة إلى كل المجازر التي ارتكبتها أياديهم خلال السنوات الماضية بحق عشرات الآلاف من المواطنين العُزَّل تفجيراً وذبحاً على الهوية، فإن المسألة هي مسألة ثورة واسترداد حقوق!
ـ وكما طال النفاق الغربي حقوقَ الإنسان، وتعاملوا مع القتلى بحسب العرق واللون والدم والدولة التي ينتمون إليها، كذلك فإنهم تعاملوا بهذا النَّفَس حتى مع الجماد.. فقد أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها لتفجير طالبان ثلاثة تماثيل لبوذا في أفغانستان، وأما هدم الأضرحة والعدوان عليها في العراق وسوريا وغيرهما، فإنها لا ترقى إلى أن يُتّخَذ تجاهها أي إجراء حقيقي. نعم، إننا لا ننكر أن الآلة الإعلامية الغربية ـ أحياناً ـ تضخ الأخبار المتعلقة بحقوق الإنسان في المنطقة، وتدب معها الحياة في الحركة الدبلوماسية الغربية، ولكنها تكون محدودة بأجنداتٍ خاصة يُراد من خلالها تحقيقَ أهدافٍ تعود بالنفع فقط على مصالحهم الاستكبارية، من قبيل إسعار حربٍ أهلية، أو بث فتنة طائفية، أو ضمان وصول إمدادات النفط إلى آلتهم الاقتصادية. إن المحرقة النازية التي وقعت قبل أكثر من سبعين سنة وضُخِّمت أيَّما تضخيم، ما زال العالم بأسره يدفع لليهود فاتورتَها عن يدٍ و صَغَار، وأما الملايين من المذبوحين والمقطَّعين والمنتَهَكةِ أعراضُهم والمهجَّرين على يد صنيعة الاستكبار والصهيونية فإن قضيَّتهم تُترك لتتحول إلى قصةٍ يطويها النسيان ويداوي جروحُها الزمن.. فأيُّ نفاق أعظم من هذا؟