الصوم وفلسفة العبادة : المرجع الشيخ مكارم شيرازي

الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من فلسفة هذه العبادة.. مثل الإنسان الذي يعيش إلى جوار أنواع الأطعمة والأشربة، لا يكاد يحس بجوع أو عطش حتى يمد يده إلى ما لذ وطاب كمثل شجرة تعيش إلى جوار نهر وفير المياه، ما إن ينقطع عنها الماء يوما حتى تذبل وتصفر.
أما الأشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري المقفرة، وتتعرض منذ أوائل إنباتها إلى الرياح العاتية، وحرارة الشمس المحرقة حينا، وبرودة الجو القارصة حينا آخر، وتواجه دائما أنواع التحديات، فإنها أشجار قوية صلبة مقاومة.
والصوم له مثل هذا الأثر في نفس الإنسان، فبهذه القيود المؤقتة يمنحه القدرة وقوة الإرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة.
بعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة لعلكم تتقون تشير إلى هذه الحقائق.
وهكذا الحديث المعروف: (الصوم جُنَّة من النار) يشير إلى هذه الحقائق. وعن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن طريق مجابهة الشيطان، قال: (الصوم يُسوِّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله والمواظبة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه).
وفي نهج البلاغة عرض لفلسفة العبادات، وفيه يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق).
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إن للجنة باباً يُدعى الريّان، لا يدخل فيها إلا الصائمون). يقول المرحوم الصدوق في (معاني الأخبار) معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريان لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً.