خطبة الجمعة 8 من شعبان - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: علامات الظهور


ـ علامات ظهور الإمام المهدي(ع) هي أحداث وظواهر يؤشر وقوعها على قرب الظهور.
ـ وبما أنها علامات، فلابد أن تكون واضحة لا غبار عليها عند غير المعاندين والجاحدين، وإلا فقدت الهدف مِن ذكرها في النصوص، فقد ذكرها النبي(ص) والأئمة(ع) من أجل أن تكون سبيلاً إرشادياً إلى قرب الظهور وطريقاً إعدادياً لتهيئة المؤمنين أنفسهم لاستقبال الظهور والانضمام إلى حركة الإمام المهدي(ع).
ـ أما إذا كانت مثار جدل عندهم بلا عناد ولا جحود منهم، فما قيمتها حينئذ؟ وكيف يمكن أن تُسمّى علامة؟
ـ ولذا عندما يظهر السفياني، فلابد أن يكون واضحاً أنه السفياني، لا أن تكون المسألة مجرد اتهامات أو ظنون وتخرصات.. وعندما تكون هناك صيحة لابد أن تكون متميزة بحيث تكون علامة لا غبار عليها عند المنتظرين.. وعندما يظهر اليماني لابد أن يكون بنفس المستوى من الحجية أنه علامة، لا أن يظهر شخص لا يعرف أن يقرأ البسملة ويدّعي أنه من علامات الظهور!
ـ ثم هناك مسألة مهمة جداً وهي أن الأحاديث التي تتناول علامات وشرائط الظهور ووصف زمن الظهور وأحداثه جلُّها روايات ضعيفة الإسناد بحسب تحقيق العلماء من أهل الاختصاص!
ـ بالطبع ضعف الرواية سنداً لا يعني بالضرورة أنها لم تصدر عن النبي أو الإمام، فلربما يصدق الكذوب ولو
مرة في حياته، ولكن هل يمكن الاعتماد على هكذا مرويات في تكوين تصور أكيد وواضح عن كل تلك
الأمور المتعلقة بقضية مصيرية كقضية الإمام المهدي(ع)؟
ـ أهداف الوضع والتحريف عديدة، ومن هذه النصوص ما تم وضعه أو التلاعب بمضمونه ودلالته من قبل طلاب السلطة، الذين أرادوا تجيير قضية الإمام المهدي(ع) لمصلحتهم، وأوضح مثال على ذلك أحاديث مقاتلي المشرق أو ما يُعرَف بـ (الرايات السود).
ـ فالمروي مثلاً عن الباقر(ع): (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيُعطَون ما سألوا لا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء) وسنعتمد عليها في بيان خلل الوضع والتلاعب، وخلل الإسقاط الظني.
ـ ولما بدأت ثورة آل علي وآل العباس ضد الدولة الأموية، تم تجيير مثل هذا النص في أوساط المسلمين، ولكن أضيفت إليه كلمات لتنطبق على أبي مسلم الخراساني القادم من المشرق براياته السوداء لنصرة الثورة، فغدا النص هكذا بحسب رواية ابن ماجة: عن النبي(ص): (وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يُعطونه فيقاتلون فينتصرون فيُعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج). وفي بعضها تم استبدال كلمة (المشرق) بـ (خراسان).
ـ ومن أجل أن تكتمل الصورة، كان لابد من البحث عمن سيكون المهدي المنتظَر.. وبما أن كبير الثائرين من آل علي هو عبدالله ابن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى(ع) واسمه لا يناسب، فقد نصّب ابنه محمداً قائداً على الثورة، وادُّعي أنه المهدي الذي سيسلمه الخراساني رايات النصر!
ـ ولأجل إتمام الفبركة، تمت إضافة كلمة واحدة فقط إلى نصوص البشارة بالمهدي، فرووا عن النبي(ص) أنه قال: (لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم، حتى يَبعثَ فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً ).
ـ ثم اختلقوا القصة التالية التي رواها أبوداود أنه: (قال علي(رض) ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيِّد كما سمَّاه النبي(ص)، وسيخرج من صلبه رجل يُسمَّى باسم نبيكم، يُشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْق. ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً).
ـ وهكذا أصبح المهدي هو محمد بن عبدالله الحسني.. وانطلقت الثورة على الأمويين وانتصرت، ولكن آل العباس انقلبوا على آل علي، وقتلوا مهديهم الحسني الذي بشّروا به واستعملوه ورقة للوصول إلى الحكم.
ـ والخلل الآخر في التعامل مع هذه النصوص هو إسقاطها على الأحداث أو الشخصيات إسقاطاً ظنياً بلا دليل.. ثم تمرُّ الأيام وتنكشف الحقيقة!
ـ ففي يومٍ ما كان الصفويون هم أصحاب الرايات المشرقية، وقد قال المجلسي بعد ذكر رواية الإمام الباقر(ع) التي ذكرناها مسبقاً: (إنه لا يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية، وهو الشاه إسماعيل أعلى الله مقامه في دار المقامة... فيكون في هذا الحديث إشارة إلى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي(ع)، فهم الذين يسلمون المُلك له عند نزوله بلا نزاع أو جدال).
ـ وغرق الصفويون في الفساد، وانتهت دولتهم، واختفت البشارة بين دفات الكتب.
ـ وفي يومٍ ما كان الملا عمر الطالباني هو الخراساني، وبن لادن هو اليماني.. ثم انتهت الأسطورة، وانكشفت الحقيقة، وسقطت الأقنعة!
ـ وتتوالى الادعاءات والتفسيرات والإسقاطات، تارة باندفاعات عاطفية، وأخرى من قبل الأدعياء من طلاب السلطة، وثالثة من قبل عشاق الشهرة، ورابعة نتيجة الجهل والسذاجة، وخامسة من قبل الجهات المخابراتية التي تسعى لتوظيف هذه القضية لصالح إسقاط الواقع الإسلامي في أحضان عملائها أو الأفاكين الكذابين من أشباه سامري بني إسرائيل الذين يصنعون للناس من أموالهم (عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) إفساداً لعقول الناس، وإخلالاً في دينهم، وحرفاً لهم عن جادة الحق، مستغلين بذلك عاطفة البسطاء، ومزيِّنين عجلَهم بالادّعاءات الكاذبة والأساليب الشيطانية.. ولنا أن نتساءل: هل جاء تأسيس شعبة في المخابرات المركزية الأمريكية بأمر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن خاصة بدراسة كل ما يتعلق بالمهدي المنتظر لسواد عيون المنتظرين لظهوره الشريف؟! إن علينا جميعاً أن نعمل كما عمل موسى(ع) حيث قال: (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا).