خطبة الجمعة 8 من شعبان - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : أذكار ومفاهيم


بعض الآيات القرآنية نستعملها كأذكار أو أدعية يومية أو لأمر معين، وجاء ذلك انطلاقاً من بعض الأحاديث ولكننا قد نستعملها من دون وعي للمضمون، أو بفهم خاطئ، أو بصورة معكوسة.
1ـ آية الكرسي مثلاً، نتلوها للحفظ من المكروهات، ولكن عادةً ما نتلوها دون انتباه إلى مضمون الآية، وهو الأهم في البين، فليست المسألة مجرد آية تُتلى كما لو أن الإنسان يقرأ تعويذة معينة.
ـ ولكن بأدني تأمل سنجد أن في الآية مضامين تتعلق بصفات الله وقدرته وعظمته التي يتوجه من خلالها الإنسان الضعيف إلى الخالق القوي العزيز كي يعينه في مواجهة ما يخاف منه من عوائد الدنيا ومخاطرها.
ـ وهذا هو الأهم في الأمر، بحيث يعيش الإنسان تلك المفاهيم وهو يتلو الآية، فيتوكل على الله، ويتعلق قلبه به، ويتحول الذِّكر بصورة غير مباشرة إلى دعاء منطلِق من وعي الإنسان.
2ـ مثال الثاني قوله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل:62] فهي من الأذكار أو الأدعية التي يُستعان بها للشفاء من الأمراض.
ـ ولكن طريقة تلاوة الناس لهذه الآية توحي بأن الغالبية لا تدرك معنى ما تقول، ففي اللغة العربية (أم) حرف عطف يفيد طلب التعيين، مثلاً تقول: (من جَلب هذه؟ أحمد أم سالم؟).
ـ وبالتالي عندما نعود إلى الآية سنجد في البداية قوله: (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)[النمل:59]، ثم يتوالى هذا التعبير (أمّن) أربع مرات، إحداها (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ).
ـ وكأنها تقول: أهذه الأصنام خير أم الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟
ـ فالآية ليست صيغة نداء ودعاء، كما لو قلنا: (يا أسمع السامعين) أو (اللهم)، بل صيغة إقرار، ومن المناسب أن ينتبه من يدعو بهذه العبارة إلى المعنى المراد.
2ـ مثال الثالث آية: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا) [الكهف:39]، الواردة في قصة صاحب الجنتين مع صاحبه، حيث استكبر وطغى اتكالاً على ما كان يملك.
ـ وقد اعتاد الناس أن يعلقوا هذه الآية في بيوتهم لدفع تأثير العين (الحارة) كما هو دارج، وفي واقع الآية أنها خطاب إلى صاحب الملك نفسِه، أن يتذكر أن هذه النعم من عند الله سبحانه، كي يستقيم حال الإنسان ويتعلق قلبه بالله، ولا تغره الدنيا، ولا يطغى كصاحب الجنتين.