خطبة الجمعة 1 من شعبان - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : كي لا نُخدَع


ـ قد يُخدَع الإنسان بظاهر الآخرين، لاسيما إذا تظاهر البعض بالتدين، في الوقت الذي يُخفي وراء هذا الظاهر شخصية معقدة أو أهدافاً خبيثة.
ـ ويأتي الحديث التالي المروي عن الإمام زين العابدين(ع) ليحذّر من الوقوع في فخ هؤلاء المخادعين وذلك بتقديم مجموعة من المعايير المهمة في هذا المجال:
روى الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الرضا (ع): قال: قال علي بن الحسين (ع):
إذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وَ هَدْيُهُ وَ تَمَاوَتَ فِي مَنْطِقِهِ وَ تَخَاضَعَ فِي حَرَكَاتِهِ، فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَنَاوُلُ الدُّنْيَا وَ رُكُوبُ الْحَرَامِ مِنْهَا، لِضَعْفِ نِيَّتِهِ وَ مَهَانَتِهِ، وَ جُبْنِ قَلْبِهِ، فَنَصَبَ الدِّينَ فَخّاً لَهَا، فَهُوَ لَا يَزَالُ يَخْتِلُ النَّاسَ بِظَاهِرِهِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرَامٍ اقْتَحَمَهُ.
وَ إِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنِ الْمَالِ الْحَرَامِ، فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ فَإِنَّ شَهَوَاتِ الْخَلْقِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَنْبُو عَنِ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَ إِنْ كَثُرَ، وَ يَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى شَوْهَاءَ قَبِيحَةٍ، فَيَأْتِي مِنْهَا مُحَرَّماً.
فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنْ ذَلِكَ فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّكُمْ، حَتَّى تَنْظُرُوا مَا عَقَدَهُ عَقْلُهُ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ أَجْمَعَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَى عَقْلٍ مَتِينٍ، فَيَكُونُ مَا يُفْسِدُهُ بِجَهْلِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِعَقْلِهِ.
فَإِذَا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِيناً فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّكُمْ، حَتَّى تَنْظُرُوا أَمَعَ هَوَاهُ يَكُونُ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ يَكُونُ مَعَ عَقْلِهِ عَلَى هَوَاهُ، وَ كَيْفَ مَحَبَّتُهُ لِلرِّئَاسَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَ زُهْدُهُ فِيهَا، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، يَتْرُكُ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا، وَ يَرَى أَنَّ لَذَّةَ الرِّئَاسَةِ الْبَاطِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَذَّةِ الْأَمْوَالِ وَ النِّعَمِ الْمُبَاحَةِ الْمُحَلَّلَةِ، فَيَتْرُكُ ذَلِكَ أَجْمَعَ طَلَباً لِلرِّئَاسَةِ، حَتَّى إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ، فَهُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ يَقُودُهُ أَوَّلُ بَاطِلٍ إِلَى أَبْعَدِ غَايَاتِ الْخَسَارَةِ، وَ يُمِدُّهُ رَبُّهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي طُغْيَانِهِ، فَهُوَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَ يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، لَا يُبَالِي بِمَا فَاتَ مِنْ دِينِهِ، إِذَا سَلِمَتْ لَهُ رِئَاسَتُهُ الَّتِي قَدْ يَتَّقِي مِنْ أَجْلِهَا، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً.
وَ لَكِنَّ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ نِعْمَ الرَّجُلُ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ هَوَاهُ تَبَعاً لِأَمْرِ اللَّهِ، وَ قُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي رِضَى اللَّهِ، يَرَى الذُّلَّ مَعَ الْحَقِّ أَقْرَبَ إِلَى عِزِّ الْأَبَدِ مِنَ الْعِزِّ فِي الْبَاطِلِ، وَ يَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ ضَرَّائِهَا يُؤَدِّيهِ إِلَى دَوَامِ النَّعِيمِ، فِي دَارٍ لَا تَبِيدُ وَ لَا تَنْفَدُ، وَ أَنَّ كَثِيرَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّائِهَا إِنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إِلَى عَذَابٍ لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَ لَا يَزُولُ.
فَذَلِكُمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرَّجُلُ، فَبِهِ فَتَمَسَّكُوا، وَ بِسُنَّتِهِ فَاقْتَدُوا، وَ إِلَى رَبِّكُمْ بِهِ فَتَوَسَّلُوا، فَإِنَّهُ لَا تُرَدُّ لَهُ دَعْوَةٌ، وَ لَا تُخَيَّبُ لَهُ طَلِبَةٌ.