خطبة الجمعة 24 رجب - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : الغش


ـ في ذكرى استشهاد الإمام الكاظم(ع) نقف عند المشهد التالي:
ـ في الحديث المعتبر عن هشام بن الحكم قال: (كنتُ أبيعُ السّابريّ) نوع من الثياب الرقيقة (في الظلال، فمرَّ بي أبو الحسن موسى الكاظم(ع)، فقال لي: يا هشام، إنَّ البيع في الظلّ غش، وإنَّ الغش لا يحل).
ـ خلق الله الوجود بالحق: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا)[ص:27]، ولذا فإن هذا الوجود لا يتناغم إلا مع الصدق والأمانة، وأما الكذب والغش والخيانة فبمثابة الجراثيم التي تفسد سلامة هذا الوجود.
ـ ومن ها حرّم الإسلام الغش بكل صوره، واعتبر أن الإسلام والغش لا يلتقيان: (ليس منّا من غشّ مسلماً).
ـ ولم يكتفِ بالعنوان، بل دخل في التفاصيل من حيث الكيفية، ومن حيث الدوائر المحتملة له.
ـ فمثال الأول ما جاء في الخبر الذي رويناه عن الكاظم(ع)، والذي اعتبر فيه الإمام أن من الغش: البيع في الظل بحيث تختفي معه بعض العيوب الصغيرة، أو تبدو معه صفة البضاعة على خلاف حقيقتها، وغير ذلك من الأساليب التي تُعتبر في عرف أهل السوق: شطارة تجارية ومهارة تسويقية.
ـ ومثال آخر ما جاء في خبر واثلة بن الأسقع الليثي وهو من فقراء الصحابة حتى إذا نادى النبي(ص) بالخروج إلى غزوة تبوك لم يجد ما يحمله، فنادى واثلة أنه سيعطي نصيبه من الغنيمة لمن يوفّر له ناقة يركبها رغبةُ في الجهاد، وله خبر مع حديث الكساء، فعن شداد بن عبد الله قال: (سمعت واثلة بن الأسقع وقد جئ برأس الحسين فلعنه رجل من أهل الشام!) وفي خبر أن الرجل شتم علياً والحسين (فغضب واثلة وقال: والله لا أزال أحب علياً وحسناً وحسيناً وفاطمة أبداً بعد أن سمعت رسول الله(ص) وهو في منزل أم سلمة يقول فيهم ما قال. قال واثلة: رأيتني ذات يوم وقد جئت رسول الله(ص) وهو في منزل أم سلمة) وفي نص آخر أنه كان يبحث عن الإمام علي (وجاء الحسن فقبّله وأجلسه على فخذه اليمنى، وجاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبَّله، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه، ثم دعا بعلي فجاء ثم أغدف عليهم كساءً خيبرياً كأني أنظر إليهم ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).
ـ وأما الخبر فعن أبي سباع قال: (اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجتُ بها أدركنا واثلة، وهو يجر رداءه فقال: يا عبدالله، اشتريت؟ قلت: نعم. قال: هل بيَّن لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟! إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردتَ بها لحماً أو أردت بها سفراً؟ قلت: بل أردت عليها الحج. قال: فإن بخُفِّها نَقباً، قال: فقال صاحبها: أصلحك الله ما تريد إلى هذا؟ تُفسد عَلي؟ قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: من باع شيئاً فلا يحل لـه حتى يُبيِّن ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك أن لا يُبيِّنه).
ـ هكذا علّمهم الإسلام أن يتحرّوا الدقّة تجنباً للغش، لخطورته.
ـ أما الثاني: فمن قبيل أنك لو استُشِرت في أمر شخص جاء طالباً للزواج أو الوظيفة فعليك أن تكون ناصحاً.
ـ ومثل ما روي عن علي(ع) أنه قال: (إن أعظم الخيانة خيانة الأمّة، وأفظعَ الغِش غش الأئمة) أي الذين يديرون شئون العباد، بأن تجاملهم في تقييم أدائهم، أو تُخفي عنهم حقيقة الأوضاع وأمثال ذلك.
ـ ومن قبيل قوله(ع) : (من غش النّاس في دينهم) بأن يقدّم لهم غير الحقيقة (فهو معاند لله ورسولِه).
ـ ومن هنا فإن دائرة الغش أوسع من دائرة التجارة، ولذا أفتى الفقهاء بحرمة الغش في الاختبارات، فقد استُفتي المرجع الراحل السيد الخوئي: (ما حكم الغش في الامتحانات في المدارس ..علماً أن هناك من يدعي أن بعض العلماء من يجيز الغش في الامتحان بحجة أننا مضطهدون في الدولة ولا بد من تحصيل درجات عالية للنجاح وللحصول على وظائف؟ الجواب: لايجوز الغش في الامتحان بكل أساليبه، وما ذُكر لا يبرره).