خطبة الجمعة 3 رجب - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : الطلاق والانفصال


(وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة:235].
ـ عرفت المجتمعات البشرية الطلاق بين الزوجين منذ القِدَم، وشرعت له شروطه والتشريعات الإلزامية للطرفين، لتنتظم من خلال ذلك العلاقة بين الرجل والمرأة بعد الزواج، وحينما يريدون إنهاء تلك العلاقة الزوجية.
ـ فالفراعنة مثلاً أعطوا حق الطلاق للزوج، وللزوجة أن تطلق زوجها عندهم إذا شرطت ذلك في عقد نكاحها.
ـ وفي شريعة حامورابي خصصت المواد /127ـ162/ من الأحوال الشخصية للطلاق، وفي المادة 142 منها: (إذا بغضت امرأة زوجها وقالت له: إنني سوف لا أكون لك، فيجب التحقيق عن سبب بغضها لزوجها، فإذا كانت المرأة صاحبة عناية، وليس فيها عيب، وكان لزوجها عين في غيرها، وكان يهملها، فلا لوم على الزوجة، ولها أن تأخذ بائنتها منه، وتذهب إلى بيت أهلها). لاحظ الدقة في التشريع.
ـ وكان عند العرب الجاهليين عدة أنواع من الطلاق، كالظهار، بأن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، وطلاق الإيلاء، بأن يقسِم الزوج أن لا يقرب زوجته مدة طويلة كانت تصل أحياناً إلى السنة والسنتين.
ـ ولما جاء الإسلام أقر بعض أنواع الطلاق هذه، وألغى بعضها، وعدَّل أحكام بعض..
ـ والنتيجة هي أن هناك قدسية للرابطة الزوجية، وبتعبير القرآن (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء:21] وهناك قوانين دقيقة تحكم أسلوب إنهاء هذه العلاقة، بل وعقوبات قد تترتب على الإخلال بها.
ـ ما يدفعني للحديث حول موضوع الطلاق هو كثرة الأخطاء التي بات الناس يقعون فيها عن جهل أحياناً وعن إهمال في أكثر الأحيان، مما قد يكلفهم ثمناً باهضاً. ومن هذه الأخطاء ما يُعرف بـ (الانفصال).
ـ هذا المصطلح بات شائعاً بين الناس، فعندما تسأل أحدهم (رجلاً أو امرأة) عن وضعه الاجتماعي، فلربما تجد أن الإجابة هي: أنا منفصل.
ـ مشكلة هذا المصطلح أنه بلا قيمة شرعية وقانونية، وهو مصطلح مربك من حيث الدلالة، ومن حيث الآثار التي يرتب الناس عليها أوضاعهم على مستوى العلاقة الشرعية بين الجنسين.
ـ أولاً، من الناحية الشرعية لدينا شئ اسمه طلاق، وبه تنتهي العلاقة الزوجية بصورة رجعية أو بائنة، ولهذا الطلاق شروطه، وهذه الشروط نختلف فيها مع أهل السنة، وهو ما يجهله كثيرون.
ـ وهذا الطلاق تعقبه عدة، لو تم الدخول ولم تبلغ المرأة سن اليأس.
ـ وهذه العِدة قد تكون رجعية، بمعنى أن الزوج بإمكانه إرجاع زوجته خلالها من غير عقد جديد، وبذلك ترجع العلاقة الزوجية بينهما، وتُحسَب طلقة. وقد تكون بائنة، والرجوع لابد أن يتم بعقد زواج جديد.
ـ ثانياً، الانفصال مصطلح مستورد من الغرب، ويعني أن يختار الطرفان أو أحدهما الابتعاد عن شريكه والتحرر عملياً من العلاقة الزوجية مع بقاء حالة الزوجية قائمة، وذلك لعدم مشروعية الطلاق عندهم مثلاً، أو
لوجود مشكلات قانونية أو كفترة انتقالية بين الزواج والطلاق أو لسبب آخر.
ـ وخلال هذه الفترة قد يبيح كل طرف لنفسه إقامة علاقة مع الجنس الآخر على اعتبار أنه قد اختار هذا الانفصال، ولا توجد حالة التزام زوجي فعلي.
ـ هذا الأمر غير موجود عندنا بتاتاً، ولكن للأسف أن بعض المتلبسين بالزي الديني، ولغرض في أنفسهم، أشاعوا أن المرأة المتزوجة إذا انفصلت عن زوجها لستة أشهر، فهي في حل من عقد الزوجية، ويمكنها أن تتزوج زواجاً مؤقتاً، إذ لن يقبل القانون بأن تتزوج زواجاً دائماً ما دام الطلاق لم يقع!!
ـ وكم من حالة سئلتُ فيها شخصياً، أو حُكيت لي، تبين من خلالها أن الزوجة قد تزوجت عدة مرات زواجاً مؤقتاً وهي على ذمة زوجها! وعند استفهامها عن الذي دفعها لفعل ذلك تجيب بأنها كانت تجهل المسألة! وأنها سألت صديقاتها أو زميلاتها في العمل فقلن لها أنها ما دامت منفصلة ومرت بفترة (الاستبراء) لستة أشهر فليس لزوجها عندها أي حق.. وهي في حِل من أمرها، ولتتزوج كيفما شاءت!
ـ وبكل وضوح أقول أن ادعاء الجهل في هذا الزمان كذب صريح أو لا مبالاة واضحة. فمواقع مراجع التقليد موجودة على الإنترنت ويمكن التواصل مع القائمين عليها والسؤال منهم بكل سهولة وبسرية تامة.
ـ وهكذا تتوفر أجهزة الاتصال مع علماء البلد وبأكثر من صورة، فضلاً عن الكتب الفقهية المنتشرة في البيوت.
ـ ثم إن مجرد الشك في مسألة تتعلق بالنكاح تستدعي من المرأة العفيفة الشريفة أن تسأل مرة ومرتين وثلاثاً ومن أكثر من مصدر موثوق حتى تتأكد أنها قد أغلقت كل أبواب الخلل في الإجراء الذي تريد اتخاذه في قضية حساسة من قبيل الزواج والطلاق.
ـ وما التساهل في ذلك إلا وسوسة شيطان أو هوى نفس، ولا محل لادعاء الجهل أو الغفلة.
وخلاصة الكلام أن العلاقة الزوجية ميثاق غليظ، وقد شُرِّع الطلاق لإنهاء معاناة يعيشها طرفا أو أحد طرفي زواج ما، لفتح الباب أمامهما للبحث عن خيار أفضل وبناء حياة أسرية مستقرة وسعيدة، ولا شئ سوى الموت أو الطلاق أو الفسخ يُنهي الحالة الزوجية.