خطبة الجمعة 3 رجب - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : من هدي الإمام الهادي


ـ في ذكرى مولد الإمام علي الهادي(ع) نستحضر هذا الموقف الذي جمعه بالعالم النحوي يعقوب بن إسحاق بن السكيت الدورقي الأهوازي، والذي كان مؤدِّباً.
ـ ومهنة التأديب تشبه مهنة المعلم ولكن تفوقها في أنها تشتمل بالإضافة إلى الدور التعليمي دوراً تربوياً واضحاً، وهي الصورة التي تغيب في كثير من الأحايين عن معلمي هذا الزمان، وللمناهج التعليمية دور في غيابها، حين تشحن البرنامج التعليمي بكل هذا الكم من المعلومات فلا يسعف المعلم أن يقوم بدوره التأديبي والروحي خلال اليوم الدراسي.
ـ ولتميز الرجل في هذا المجال، طلب إليه المتوكل العباسي تأديب ولديه المعتز والمؤيد.
ـ ويروى أن المتوكل نظر إلى ابنيه المعتز و المؤيد، فلما رأى من ابنيه أحسن الأدب قال لابن السكيت، وقد علم بتشيُّعه: (من أحب إليك: هما، أو الحسن والحسين؟ فقال: بل قنبر! فأمر حرسه من الأتراك فداسوا بطنه فمات بعد يوم). وقيل بأنّ المتوكل أمرهم أن يستلُّوا لسانه، فسلّوه فمات من وقته، و كان ذلك في الخامس من رجب سنة :244.
ـ أما الحوار الذي دار بين الإمام الهادي وابن السكيت فكان كالتالي حين سأل ابن السكيت: (لماذا بعث الله موسى بن عمران(ع) بالعصا واليد البيضاء وآلة السحر، وعيسى(ع) بآلة الطب، وبعث محمداً(ص) بالكلام والخطب؟ فقال الإمام الهادي(ع): "إن الله لما بعث موسى(ع) كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم، وإن الله بعث عيسى(ع) في وقت ظهرت فيه الزمانات) الأمراض المزمنة (واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم، وإن الله بعث محمداً(ص) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام، فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم"، فقال ابن السكيت: والله ما رأيت مثلك قط، فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال(ع): "العقل، يعرف به الصادق على الله فيُصدّقه، والكاذب على الله فيكذّبه"، فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب).
ـ إن الإمام الهادي(ع) كان يريد أن يؤكّد ما أكّده القرآن وأكدته السنة من قيمة العقل، فهو حجة الله على العباد، وهذا هو الأساس الذي لا بد للناس أن يأخذوا به، باعتبار أنه هو الذي يدلُّهم على الحق حين تضيع صورته في وسط كل التهريج وكل وسائل التسطيح وكل عمليات التجهيل التي يمارسها مَن يُفترض بهم أن يكونوا الأمناء على الحقيقة، من رجال دين ومن سياسيين وإعلاميين وتربويين، وليقوم العقل ببيان الفرق بين الحقيقة والخرافة، وليدفع الناس نحو التقدّم ويُسقط التخلّف.
ـ لقد أرادنا الله تعالى كما جاء في القرآن الكريم أن ننمّي عقولنا، وأن نضم عقولنا إلى عقول الآخرين، كي نخرج بالرأي الأمثل، لا أن نعيرها للآخرين ليملؤوها بما شاءوا، أو أن نكون التابعين لهم في تفكيرهم، بل أن نستخدم عقولنا في كل حياتنا، بحيث لا نتحرك خطوة، كأن نؤيِّد شخصاً أو نرفضه، أو نتبنى فكرة أو ننشرها إلا بعد أن ندرس ذلك في عقولنا، بحيث لا نتحرك من خلال الغريزة أو العاطفة، ولا من خلال التأثير الإعلامي، بل ننطلق من خلال دراسة الأمور كلها من كل جوانبها، في نقاط الضعف والقوة. وكما نربي عقولنا، فلنعوّد أطفالنا أن يفكروا وأن يسألوا وأن يبحثوا وأن نقدِّم لهم فرص التجربة التي من خلالها تنمو شخصياتهم بإيجابية ويكونون أقوياء في ما يتبنونه من الحق، ويرفضونه من الباطل.