خطبة الجمعة 25 جمادى2 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: مرارة الحق


ـ في ذكرى مولد الإمام محمد الباقر (ع) نستلهم من كلماته الدلالات والمعاني الروحية في النص التالي: (عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (ع): لما حضرت أبي علي بن الحسين (ع) الوفاة ضمني إلى صدره وقال: يا يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به: يا بني، اصبر على الحق وإن كان مراً).
ـ حاول أيها الإنسان أن تعرف الحق في إيمانك وفي الشريعة وفي الواقع الاجتماعي والسياسي.
ـ وقد يكلّفك الحق بعض ما يتعارض مع ما تهوى، وحينها تشعر بمرارة الحق في حياتك وبحلاوة الباطل فيها.
ـ كيف تتصرف؟ وماذا تختار؟ هل تسقط أمام الباطل لأنه يمنحك بعض حلاوته، وتبتعد عن الحق لأنه يحمّلك مسؤولية قد تثقل مزاجك؟
ـ يقول أهل البيت(ع) في وصية متكررة وفي لحظات حاسمة تمثل قرب وداع الدنيا الفانية، تأكيداً على أهمية هذا الأمر: اصبروا على الحق وإن كان مرّاً، حاولوا أن تضغطوا على أهوائكم وأمزجتكم وعصبياتكم وعلى كل ما يريد الآخرون أن يقودوكم إليه.
ـ قفوا مع الحق، لأن الله تعالى هو الحق، ولأنه تعالى خلق السموات والأرض بالحق، ولأن الله غداً سيحاسب الناس على أساس الحق.
ـ قد يقع المسؤول تحت ضغط الواسطات أو الإغراءات الكثيرة من أجل التلاعب في المال العام، أو من أجل التغاضي عن حالة فساد، فيمتنع، فيشعر بمرارة ذلك، من خلال التضييق عليه، أو إعفائه من منصبه، أو تجميد نشاطه.. ويصبر.. فيقول الله له: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر:10].
ـ قد توضع الفتاة الملتزمة بسترها الشرعي تحت ضغط أقرانها في كل ما هو منتشر من صور السفور أو التزين أو التصرفات اللامسؤولة في العلاقات، وتشعر بضغط هوى النفس، وضغط الجو المحيط، وجو النظرات المستهزئة بها، فتصبر على هذا المر، ولكن الله يقول لها أن هذه المرارة ستتحول إلى حلاوة لا مثيل لها: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة:17].
ـ قد يُستدعى الرجل ليشهد لصالح قريبٍ له شهادةَ زور، فيمتنع عن ذلك، بل ويقول الحق الذي ينصب في صالح الآخر، ويقع تحت طائلة التعنيف الاجتماعي وحراجة الموقف، فيصبر على مرارة الموقف العصيب، لأن الله تعالى يقول: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)[البقرة:283].
ـ إن إمامنا الباقر(ع) يعلّمنا أن الحياة تُبنى بالحق، وتكبر بالحق، وتَغنى بالحق.. الحق الذي يجب أن نتحمل مرارته لنذوق حلاوة راحة الضمير، وحلاوة رضوان الله، وحلاوة العطاء الذي لا مثيل له في الآخرة.